الفلاحون والقروض الزراعية.. قصة يجب أن تفضي إلى خير!
استبشر الفلاحون خيراً برحيل الحكومة السابقة، والتي أجمع السوريون تقريباً على أنها أكثر الحكومات فشلاً في معالجة الوضع الزراعي، لا بل اعتبرها كثيرون سبباً رئيسياً لحالة الاستياء والاحتجاج الشعبي التي وصلنا إليها، بعد ما خلفته سياساتها من تردٍّ في الوضع المعيشي والاقتصادي للبلاد عموماً، ولجماهير الفلاحين خصوصاً. وأما مناسبة هذا الكلام فهي تعامل الكثير من المسؤولين مع المواطن السوري بعقلية التاجر والزبون وليس عقلية المواطن والدولة، فمفهوم الدولة يعني أنها تحترم مواطنيها وتقدم أقصى إمكاناتها لاحترامهم وتطوير مستوى معيشتهم، وعندها واجب المواطن أن يحترم قوانين هذه الدولة ومؤسساتها، فالأمر إذاً علاقة تكامل لا علاقة منفعة، وعندما تختل علاقة التكامل بين الدولة والمواطن يصبح عدم الثقة والشك المستمر هما ما يسمان المناخ السائد، خاصةً حين تنتشر ثقافة المحسوبيات والواسطات والتفريق بين زيد وعمر؟.
والمثال على الثقافة التي خلفتها الحكومة السابقة هنا هو المصرف الزراعي بطرطوس، الذي دفع المواطن فراس يوسف للشكوى إلى «قاسيون» شارحاً مشكلته مع العديد من المزارعين الآخرين، إذ يقول غاضباً: «بعد أن أتممت تسديد كامل أقساط القرض مع فوائد قرض سابق أخذته من المصرف، طلب مني الموظف تحضير الأوراق الثبوتية للحصول على قرض جديد، وبعد أن أتممت الأوراق اللازمة- وكلفتني أكثر من ثلاثة ألاف ليرة- فاجأني موظفو المصرف بكل برودة أنهم آسفون لأني لا أستطيع الحصول على قرض جديد، والسبب أني تأخرت في تسديد القرض السابق»!.
من المستغرب التعامل بهذه العقلية مع الفلاحين، حسب قول فراس الذي يتساءل: «كيف لا أستطيع الحصول على قرض جديد وقد سددت كامل أقساطي مع فوائد التأخير؟ وكيف لا ينظرون إلى أوضاعنا الصعبة؟ فنحن نتعامل مع الطبيعة ومع تحكم التجار بكل أنواع المواد الزراعية واسعارها الكاوية ومشاكل الاستيراد والتصدير لموادنا الزراعية، وكلها ظروف قد تؤثر بإمكانيتنا تسديد أقساطنا للمصرف في الزمن المناسب، فكيف تمنع عنا القروض وقد سددنا كامل الأقساط مع فوائد التأخير؟ لقد كنا تتوقع ولا سيما في هذه الظروف الصعبة، أن يتم إلغاء فوائد التأخير على الأقل لمساعدة الفلاحين، ولكن للأسف يأتي الروتين والبيروقراطية سداً منيعاً في وجه كل تطوير».
وبدوره يقول المزارع (ب ـ ط): «كنا ننتظر من المصرف الزراعي التساهل والمساعدة في مسألة القروض، فشروط القروض صعبة وتعجيزية، وكأنهم لا يريدون للفلاح أن يأخذ قرضاً وكأنهم لا يعرفون أن هذا الفلاح هو من ينتج الخيرات والغذاء الذي تعيش عليه كل فئات الشعب».
ويقول مزارع آخر فضل عدم ذكر اسمه: «نستغرب ونصاب بالدهشة عندما نعلم أن المصارف الأخرى تقدم قروضاً بالملايين إلى أصحاب الملاهي الليلة والمقاصف، بينما يبخلون بمنح الآلاف القليلة للفلاحين، فعلى ما يبدو هناك من يعتبر الفلاحين درجة ثانية أو ثالثة والله أعلم!... وعلى ما يبدو فإن بعض المسؤولين يعيشون في بروج عاجية ولا يعيشون مع هذا الشعب الأصيل الذي يتحمل الكثير».
رغم التفاؤل الذي عم لبعض الوقت عندما قدمت الدولة جزءاً من المساعدة للفلاحين لتعويض بعض خسائرهم التي تذهب إلى جيوب التجار والسماسرة، ورغم التفاؤل بوزير الزراعة الجديد الذي تحدث عنه الجميع بالاحترام والتقدير، لقربه من معاناة الفلاحين، فإن الأمل بأن يتابع وزير الزراعة وضع المصارف الزراعية ويوجهها لما فيه مصلحة الفلاحين على امتداد الوطن ما يزال قائماً، وتتلخص المطالب الأولية للفلاحين بتقديم كل التسهيلات لهم للحصول على قروض زراعية تعينهم على تكاليف الحرث والبذار وحصاد الخير، فالخير الذي ينتجه الفلاحون هو الخير الذي يحتاجه الوطن ليبقى صامداً في وجه كثير من المؤامرات الحقيقية التي لم تظهر إلى السطح بعد!.