محافظة الحسكة.. عكس تيار «التسويات والهدن»!؟
تسير محافظة الحسكة في الأسابيع القليلة الماضية باتجاه معاكس لتيار التسويات والمصالحات وتبادل الأسرى والمعتقلين الذي تتسع خارطته بشكل يومي لتشمل مناطق واسعة من البلاد. ورغم سيطرة الدولة على غالبية مدن وبلدات المحافظة إلا أن أحوالها الأمنية تزداد سوءاً يوماً بعد آخر
ويندر أن يمر يوم دون وجود حوادث أمنية تزهق فيها الأرواح من دون وجود مبرر، ولاسيما في المدن الرئيسية للمحافظة، كالحسكة والقامشلي، حيث يتسبب إطلاق النار العشوائي والاشتباكات المتقطعة في خسائر بالأرواح وتوقف لعجلة الحياة.
اشتباكات متنقلة...
بعض الاشتباكات التي تقع أحياناً بين قوى، تلجأ للسلاح لحل أي سوء تفاهم قد يقع مع الطرف الآخر، كقوات الدفاع الوطني، واللجان الشعبية، وغيرها من القوى التي تحمل السلاح في المحافظة. وتسهم تركيبة هذه القوى القومية والطائفية في تأجيج مشاعر الناس، وتهدد بحدوث فتنة أهلية بين أبناء المحافظة متعددة القوميات والأعراق في حال استمرارها.
وشهد فجر يوم الخميس الماضي 13/3/2014 اشتباكات عنيفة بين هذه القوى، استخدمت فيها أسلحة خفيفة ومتوسطة، وخلفت قتلى وجرحى، وأدخلت الرعب إلى قلوب الناس الذين استيقظوا على أصوات إطلاق نار كثيف أشبه بحرب طاحنة.
وأحداث يوم الخميس بدأت تتكرر بين فترة وأخرى وتنتقل من مدينة لأخرى، وتشهد مدينة الحسكة الكثير من الاشتباكات المماثلة، وما تتسبب به من توقف لعجلة التعليم والعمل، حيث تغلق كليات جامعة الفرات أبوابها، ويلتزم الناس بيوتهم بانتظار انتهاء خلاف الأصدقاء الدموي.
واقع الحال يشي بغير ذلك
والأسبوع الماضي، قال محافظ الحسكة للتلفزيون الرسمي إن الدولة تسيطر على محافظة الحسكة بشكل شبه كامل، وتعمل على تحقيق المصالحة الوطنية، لكن واقع الحال يشي بغير ذلك، مالم تلجم هذه القوى الجديدة، ويعاد النظر في آلية تشكيلها.
وتعكس مشاجرة بسيطة جرت في سوق مدينة القامشلي الشهر الماضي بين شخصين واقعاً غريباً للحال التي وصلت لها المحافظة، حيث تتدخل جهتان من اللجان الشعبية تتكفل كل واحدة منها بالتحقيق مع أحد طرفي المشاجرة في تصنيف يعتمد على الدين والقومية.
كما قادت مشاجرة أخرى في وقت سابق، لاشتباك بين القوى المسلحة الناشئة الصديقة، تسبب في سقوط قتيل وإصابة آخر، قيل إنها كانت سبباً لاشتباك آخر جرى لاحقاً وتسبب في مقتل وجرح العشرات.
ورغم رسوخ جو عام من التفاؤل بعد انفتاح الأفق للحل السياسي الذي أرساه مناخ مؤتمر جينيف2، وما تبعه من هدنات محلية في العديد من مناطق ريف دمشق، فإن صراعات جانبية بين القوى الجديدة الناشئة تهدد هذا التفاؤل وقد تقود لمفاجآت لا تحمد عقباها.
المطلوب حلول حقيقية
وللمحافظة التي عانت سنوات من التهميش الحكومي، وضع خاص يميزها عن جاراتها، بعد أن أصبحت ملاذاً وملجأً لآلاف العائلات النازحة من المحافظات الساخنة ولاسيما دير الزور وحلب، بسبب الأمان الذي تمتعت به بشكل عام طوال سنوات الأزمة الثلاث.
ويريد الناس حلولاً لأزمات انقطاع الكهرباء شبه الكلي، وارتفاع الأسعار الجنوني للغذاء والدواء والمواصلات، وانتشار الجريمة بشكل مخيف، لكن التوتر الأمنى المتزايد الذي تعيشه المحافظة ربما يستهدف تحويل البوصلة نحو مطلب واحد هو الأمان.
إن مهمة كل القوى الشريفة تكمن في المحافظة على وحدة النسيج الاجتماعي والوقوف معاً ضد محاولات الفتنة وضد قوى التكفير والإقصاء أينما كانت.