مدينة «الإيواء» الجامعية... السمسرة والمحسوبيات.. والتبريرات غير مقنعة
«تأجير لغرف الطلاب، ضعف بالتجهيزات، أعداد كبيرة في غرفة واحدة، محسوبيات، نقص الفرشات والأسرّة، ومشاكل في الخدمات، وتصرفات لا أخلاقية»، هذه الشكاوى لم تكن صادرة من إحدى مراكز ايواء للنازحين، بل كانت من طلاب في المدينة الجامعية بدمشق، ووصف وضعهم هناك بـأنه «كمراكز الإيواء»
أحد طلاب الدراسات العليا «ماجستير» اشتكى لصحيفة «قاسيون» من «عدم توفير غرفة له في سكن الدراسات على طريق المزة بدمشق بحجة عدم وجود شواغر، وطُلب منه الذهاب إلى المدينة الجامعية في برزة التي تبعد مسافة كبيرة عن جامعته»، مضيفاً إن «الطلبة الأجانب في سكن الدراسات لهم امتيازات كثيرة على حساب الطلاب السوريين، فعلى الرغم من عدم قبولي في السكن لعدم توفر الشواغر، كان لكل طالب أو طالبين من الطلبة الأجانب غرفة مجهزة بكل شيء، مخصصين بجناح كامل»، وتابع حديثه «لسنا ضد وجود الطلبة الأجانب واستكمال دراستهم في سورية وتخصيصهم بامتيازات السكن الجامعي، ولكن يجب ألا يكون ذلك على حساب الطلبة السوريين».
وأضاف الطالب «خلال محاولاتي الفاشلة للتسجيل في سكن دراسات المزة، عُرض علي استئجار غرفة من قبل أحد الطلاب السماسرة، مقابل مبلغ 20 ألف ليرة سورية» على حد تعبيره.
تأجير غرف الطلاب!
قضية تأجير الغرف لم تكن محصورة في سكن الدراسات الجامعي، حيث اشتكى طالب آخر في مدينة الباسل الجامعية، من وجود طلاب حصلوا على غرف رغم عدم حاجتهم لها لوجود منزل مشترك لهم خارج المدينة أو بعض الأقارب يقطنون عندهم، ويقوم هؤلاء بحسب المشتكين بتأجير غرف المدينة لطلاب مضطرين «بمبالغ كبيرة».
وتابع «هناك أبنية تابعة للسكن الجامعي مازالت لم تفتتح بعد، يتم تأجير الغرف فيها للطلاب وغير الطلاب».
سوريون في المحشر!
مدينة الباسل الجامعية بدمشق، طالتها العديد من الشكاوى خلال السنوات السابقة، وعادت هذه الشكاوى لتطفو على السطح مجدداً خلال الأزمة الحالية، وبحسب إحدى الطالبات القاطنات في الوحدة 14، فإن «بعض الغرف تحوي 12 طالبة في مساحة ضيقة، بينما ينعم البعض الآخر بغرف لا تضم سوى طالبين أو ثلاثة».
ومن جهة أخرى، اشتكت الطالبة من أنه «حتى الفصل الثاني من العام الدراسي الحالي، لم يحصل الجميع على فرش للنوم أو خزن أو أسرة، في حين ينعم الطلبة العرب وأعضاء هيئات اتحاد الطلبة بالنوم الرغيد داخل غرف لا تحوي أكثر من شخصين أو ثلاثة».
تصرفات لا أخلاقية
الشكاوى ذهبت أبعد من ذلك، حيث أجمع المشتكون على وجود تصرفات «لا أخلاقية علنية داخل المدينة دون وجود حسيب أو رقيب»، مشيرين إلى أن «هذه التصرفات اللا أخلاقية تنشط عند انقطاع التيار الكهربائي، واتحاد الطلبة وإدارة المدينة يعرفون ذلك دون أن يردعوها».
تصرفات بعض طلاب اتحاد طلبة سورية، كانت فحوى إحدى أهم الشكاوى، حيث قالت إحدى الطالبات إن «بعض طالبات في هيئات الإتحاد يمارسن دوراً يشبه الأمني في الوحدات، حيث تستطيع واحدة منهن أن تحجز الحمام لها بأمر واحد، عدا عن قيامهن بجولات تفتيشية لمصادرة السخانات على سبيل المثال، في حين تجد غرفهن مزودة بكل الممنوعات».
ومن الشكاوى أيضاً «الكثرة في تقنين الكهرباء حتى في أوقات الإمتحانات، وانقطاع المياه الساخنة، وعدم صيانة المصاعد في بعض الوحدات، إضافة إلى إهمال النظافة».
25 ألف طالب والاستيعاب محدود
بدوره برر مدير السكن الجامعي بدمشق إبراهيم جمعة وجود أعداد كبيرة من الطلاب في الغرفة الواحدة بـ«عدد الطلاب الكبير الذي بلغ حوالي 25 ألف طالب وطالبة هذا العام، والذي نجم عن عدة أسباب منها الطلاب الذين استفادوا من قرار نقل الجامعة إضافةً إلى قرارات أخرى ساهمت بزيادة العدد».
وتابع إن «العدد الكبير دفعنا إلى زيادة عدد الطلاب في الغرفة الواحدة كون الطاقة الاستيعابية التي لدينا محدودة».
وعن الشكاوى حول وجود طالب أو طالبين في بعض الغرف، ناشد جمعة طلاب المدينة «بتقديم شكاوى للإدارة في حال وجود غرف تحوي طالباً واحداً»، مشيراً إلى أنه «من الصعب حالياً ضبط هذا الموضوع من قبل الإدارة وحدها».
ويأتي حديث المدير هذا على الرغم من وجود مسؤولين مخصصين لكل وحدة مهمتهم مراقبة احتياجات وشكاوى الطلبة، إلا أن بعض الطلاب اتهموا هؤلاء «بالتستر عن بعض المستفيدين».
وأكد جمعة أنه سيتم تشكيل لجان تقوم بالتحقق من عدد الطلاب المقيمين في الغرف، منوهاً إلى «ضبط عدة حالات بهذا الصدد وفصل الطلاب المعنيين من السكن».
التبرير: خلل في العقود!
ورغم تأكيد الطلاب على عدم توزيع كل مستلزمات الغرف منذ بداية العام، مشيرين إلى أنهم «شاهدوا وصول الفرشات إلى المستودعات»، قال جمعة إن «المشكلة تكمن بعدد الطلاب المتزايد، فحتى اليوم لم تنته اجراءات التوزيع نتيجة التحقق من عملية الاستلام والتسليم، فرئاسة المدينة لا يمكن لها أن توزع الفرشات حتى التأكد من مواصفاتها».
وأقر جمعة خلال حديثه «بوجود تقصير من قبل بعض المدراء الموجودين في المدينة الجامعية إضافةً إلى حصول خلل في بعض بنود العقد الموقع مع الشركة المنتجة للفرشات، وسط ازدياد عدد الطلاب الذي بلغ 25 ألف طالب وطالبة وهذا ما سبب التأخير» على حد تعبيره.
وعن تجاوزات بعض أعضاء هيئات اتحاد الطلبة في المدينة الجامعية، قال إن «هذه الحالات تبقى فردية، وأية شكوى تتم معالجتها فوراً» مشيراً إلى سبب تفضيل غرف طلاب الإتحاد بأنه «يتم تخصيص غرفة واحدة لمشرف أو مشرفة الوحدة التي هي بمثابة مكتب لاستقبال شكاوى الطلاب».
انقطاع التيار الكهربائي في المدينة الجامعية، سبب ازدياداً في التصرفات «اللاأخلاقية» بحسب المشتكين، وعلى ذلك قال جمعة إنه «تم رفع كتاب إلى وزارة الكهرباء طلب فيه أن يكون التقنين خلال الفترة الصباحية وحتى في وقت انقطاع الكهرباء يتم تشغيل كافة المولدات مباشرة» مضيفاً أنه «في حال حدوث أي مخالفة أخلاقية تتم المحاسبة فوراً وهي حالات محدودة جداً».
ميزات الطلاب العرب والأجانب
الطلاب الأجانب والعرب، يحظون بمعاملة متميزة عن الطلاب السوريين، من عدد الطلاب في الغرف إلى تجهيزات الغرف وما إلى ذلك، وعلى هذا قال جمعة إن «عدد الطلاب العرب قليل جداً مقارنة مع طلابنا السوريين ولا يشكلون أي مشكلة» مشيراً إلى أنه «هناك طلاب سوريين في جامعات عربية وأجنبية، لذا فلابد لنا من معاملتهم معاملة جيدة وإن كان هناك ميزات فهي فقط بأعداد الطلاب في الغرفة الواحدة».
ضبط مؤجرين للغرف
وعن قيام البعض بتأجير غرفهم، نفى جمعة أن يكون ذلك قد حدث فعلاً في الأبنية الجديدة التي سترفد بها المدينة الجامعية كونها «ليست تحت تصرف المدينة الجامعية حالياً وإنما بعهدة الشركة المستثمرة التي لم تقم بتسليمهما حتى الآن».
وتابع «إن وجدت أي حالة من تأجير الغرف داخل المدينة الجامعية فذلك يكون من قبل الطلاب أنفسهم مع العلم انه تم ضبط بعض الحالات من هذا النوع ومعاقبة مرتكبيها».
وعود لم تنفذ
وتعاني المدينة الجامعية بدمشق منذ سنوات من ضيقها وعدم اتساعها لعدد الطلاب المتزايد، ومنذ 5 سنوات، لم تستلم المدينة الوحدتين الجديدتين الموعودة بهما، حيث كان جمعة قد صرح سابقاً «بأن إدارة المدينة الجامعية بصدد استلام وحدتين جديدتين في سكن الطبالة وستكون داخل حيز الخدمة قبل بدء الامتحانات الفصلية للفصل الأول» ما لم يتم.
وعاد جمعة في تصريحه الأخير، ليبرر ذلك بقوله إنه «هناك ثلاثة أبينة مجاورة لكلية الهندسة الكهربائية تم استثمارهما منذ خمس سنوات ولكن الشركة المنتجة المسؤولة عن أعمال الصيانة فيها، قامت بتسليمنا مبنى واحداً وتأخرت بالباقي، ومنذ قرابة الشهرين قمنا بإرسال كتاب عن طريق الجامعة إلى وزارة التعليم العالي التي بدورها سترسله إلى وزارة الأشغال العامة لتخاطب الشركة المنفذة لمتابعة الموضوع والإسراع بتسليم باقي الأبنية».