من الذاكرة : الخاص والعام
أن تفقد قريباً أو صديقاً أو رفيقاً أمر يشجي الصدر والفؤاد، ويبعث في النفس الأسف والأسى ويوقظ عين الخاطر والخيال، ويثير الذاكرة لتستعيد كخطف البصر شريطاً من صور رصدتها العين وحفظها الوجدان، وتلك حالتي التي عشتها خلال الفترة القليلة المنصرمة، إذ سمعت خبر رحيل ثلاثة أعزاء، حمل لهم قلبي عاطفة الحب والاحترام وهم على التوالي:
الرفيق أبو محي الدين محمد حسن ميقري عامل البلدية الذي آثرني بأول ((بدلة رسمية)) استلمها من المحافظة وأصرّ أن تكون لي، وأنا مدرّس في ثانوية ابن العميد، وقد استجبت لرغبته وارتديتها لمدة ثلاثة أيام، ثم أعدتها وأنا ممتن حتى العظم لهذه الهدية الغالية.
والثاني الرفيق محمد سليم الدهش الذي جمعتني معه مدرسة حزبية في صوفيا قبل اثنين وثلاثين عاماً، واستمرت صداقتنا حتى رحل.
والثالث هو الرفيق فرج الله الموصلي الذي تعرفت اليه لأول مرة في أواخر عهد الوحدة أيام كان واحداً من الرفاق الذين قادوا النشاط الحزبي السري في دمشق في أحلك الظروف وأصعبها، فاستحق تقدير واحترام ومحبة كل من عرفه.
واليوم يمتزج الشعور الفردي الصادق، بإحساس أعمق وأوسع يعم نفوس أبناء شعبنا بفقدان أحبة وأعزاء، في أتون القتال على أرض الوطن، وهو إحساس وطني وإنساني يؤكد أن الإنسان أخو الإنسان، هذه الرابطة الوشيجة التي تزداد التحاماً خلال الملمات والمحن، فعلى مدار الأزمة الدامية التي انهكت الوطن وأهله، لم تبق أسرة في طول البلاد وعرضها إلا وأثقلها الحزن والألم والبلاء، ومع ذلك فهناك من «يسعى» مستميتا لإطالة أمدها وتأجيج أوارها ليستمر نزف الدماء والتمزق والخراب، إنهم قوى الفساد والظلام المنفلتون من عقالهم، تجار الدم والمصائب الذين يجهرون بكل خسة وصفاقة وهمجية أنهم يمثلون الشعب «رغم أنفه» ويستشرسون لمنع أي تصالح وطني، وكل بادرة حوار يجمع السوريين لإخراج سورية من دوامة القتل والدمار...
إن المتشددين والفاسدين وكل أمراء الحرب في الداخل والخارج غير معنيين لا بجنيف ولا بأي حل حقيقي للوضع الكارثي العاصف بسورية.
بينما شعبنا بكل قواه الشريفة يرى أن مصلحته الفعلية تتمثل في منع التدخل الخارجي بكل أشكاله ووقف العنف أياً كانت أطرافه، وإطلاق العملية السياسية السورية...
وهذا ما سيكون لأنه كما يريد الشعب: قدر لا راد له...