من الذاكرة : التذكار الجميل
رن الهاتف, وكان المتكلم زميلاً في الدراسة أيام المرحلة الابتدائية علما أن غالبية زملاء ذلك الحين قد فارقوا الحياة – قال وصوته يصدح بالفرح: أبشرك لقد عثرت على صورة تعود لعام 1948 لطلاب المدرسة الذين قاموا برحلة إلى ميسلون لزيارة ضريح البطل الوطني الكبير يوسف العظمة, بمبادرة من معلمنا الرفيق الراحل عبد المجيد قاسو, ليقفوا بكل الإجلال والاحترام أمام ذكرى ملحمة ميسلون الخالدة وأبطالها الميامين, وليستقوا من ذكرى تضحياتهم نسغ الرجولة والوطنية
شكرت «الزميل» على مكالمته السارة, وأسرعت إلى لقائه في بيته لأكحل عيني بمشاهدة الصورة المذكورة, وكم كانت فرحتي غامرة وأنا أرى «شخصي» بين مجموعة من الطلاب نقف أمام «البوسطة» التي أقلتنا إلى ميسلون, مع عدد من معلمينا الأفاضل وآذن المدرسة, وسائق السيارة ممدوح بن شقيق الشيخ أحمد كفتارو. وقد عدت وأنا أتفحص الصورة فكراً وعاطفة إلى أيام مدرسة الصاحبة وانتصبت ملء ذاكرتي معالم تلك المرحلة الغالية, لتحيي في صدري نبضات حب الوطن والوطنيين, ولأستعيد أمام عين البصر والبصيرة صورة المعلمين الأخيار الأبرار الذين أمدونا بالوعي والعلم والمعرفة لتطفح حنايانا بحب الشعب والوطن. وقد تذكرت أسماء الكثيرين منهم وفي ذاكرة كل منا- قراءنا الأعزاء- أسماء وصور العشرات من المربين الأخيار, ولهم جميعاً أصدق تحيات العرفان والتقدير والاحترام.
والآن تتراءى عبر شريط الذكريات قامات معلمين ومدرسين تعلمت على أيديهم, أو زاملتهم في العمل في ميدان التعليم, ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: سعيد ميرخان وسليم أورفلي وعدنان قرجولي وعبد الكريم محلمي وعبد الرحيم الأيوبي وصلاح زلفو ومحمد الحريري وجورج أبو شعر وعادل الملا ومحسن أيوبي وشيركو ميقري ولا عجب أن يلهج لساني مردداً قول الشاعر وهو يخاطب المعلم:
يا ندي الراحة البيضاء تعطي
كل ما في القلب والذهن أصولا
وجهك المجلو نبلاً وفخاراً
تاج عز ليس نرضاه ذليلا
كم تعاني فوق ما تقوى جسوم
وتسير اليوم بالجهد رسولا
بهجة للقلب يشقى فيلاقي
في يديه غرسه ماس حقولا
نحن نار الركب لم تهدأ أواراً
كيف ينسى من صقلناهم عقولا
سرّنا والحب نسغ من أسانا
أننا نبني الورى جيلاً فجيلا
روعة الإنسان أن يمضي أبيا
رافعاً للبذل تذكاراً جميلا