من الذاكرة : العربة على السكة
تعلمت السباحة في نهر يزيد أحد فروع نهر بردى، وكان حينها يتدفق بمياهه العذبة، وقد تخرج منه سباحون ماهرون، أدعي أنني واحد منهم، وكنا بعد السباحة نقصد موضعاً مشمساً تحت نخلة في بستان «شكو» الذي صار حديقة عامة تحمل الاسم ذاته، وكثيراً ما كنا نسهر في ذلك الموقع نستمع إلى الصديق العكاش وهو يشدو بأغنيات مشاهير المطربين كمحمد عبد الوهاب وكارم محمود ومحمد عبد المطلب وويع الصافي. وما ذكرني بذلك كله هو صاحب قديم من تلك الشلة آنفة الذكر، زارني قبل أسبوع وبعد التحيات بادرني متسائلاً: ألست تذكر أيام كنا نردد أغنية وديع الصافي «جنات ع مد النظر... ما بنشبع منها نظر». قلت: بلى، وأحن إلى تلك الأيام
فزفر بحرقة، وطفق يروي ما سمعه من أخبار وما رآه من أحداث، ومما قاله على شكل تساؤلات جارحة تفيض بالأسى والمرارة:
- أما آن لهذه الأزمة الدامية التي صنعها الفاسدون والحاقدون والمتآمرون في الداخل والخارج أن تنتهي؟
- لماذا تستمر بل تزداد المصائب والمعاناة، ومن يتحمل مسؤولية استمرارها؟
- ألم تسمع بأخبار عدرا ومخيم اليرموك وداريا وووو.....والاستهتار بكرامة بل بحياة المواطنين؟
- وهل يدفع المواطن ثمن مكان ولادته أو سكنه وعمله على بعض الحواجز ويسمع كلاماً أكثر من موجع ومهين!!!
- إلى متى يزج في الاعتقال الكثير من الشباب الصغار وفقاً لتقارير أكثرها غير صحيح أو مغرض؟
فأجبته: هذه بعض من تساؤلات الناس الذي أصابهم نصيب من الضرر والأذى، وهي تساؤلات كل مواطن يغار على وطنه وشعبه الذي ذاق الأمرين، وهي برسم المخلصين القادرين على الإجابة عنها.
فما كان من صاحبي إلا أن تنهد بألم وحسرة ونظر إلي والدهشة ترتسم على وجهه وقال:
وأنتم كمعارضة وطنية ألم تخرجوا من المولد بلا حمّص؟ فقلت له:
«يا صديقي... لم نكن في مولد، وليس هدفنا حمّصاً أو أسهماً أو مكانة ومركزاً، إن كل ما سعينا ونسعى إليه أكبر وأعظم من «البازارات» والمزاودات والعنتريات وتسجيل النقاط. إن هدفنا كان وسيبقى النضال في سبيل كرامة الوطن والمواطن، ومن أجل أن يعيش شعبنا دون قهر أو استلاب ومن أجل حق وطننا في أن يزدهر ويتقدم ويسمو عزيزاً سيداً، وهذا هاجس كل شريف على أرض سورية البطلة، وهذا ما سوف يتحقق رغم أنف كل الفاسدين والظلامين سارقي البسمة والآمن من عيون الأطفال والأمهات والآباء... وهذا ما بدأ يتجسد على أرض الواقع فعلاً».