على وقع جحيم الحرب وإغلاق المدن.. طرطوس ملتقى آلاف العائلات
أصبحت حديقة الباسل التي تتوسط مدينة طرطوس ملتقى كل السوريين النازحين إليها من كل حدب وصوب. وما يزيد من أهميتها وقوعها في قلب المدينة بالقرب من دوائر الدولة الرسمية وكذلك من السوق التجاري بالمشبكة، فقبل الأحداث كان يزور الحديقة يومياً مئات الزوار وأغلبهم من مدينة طرطوس وريفها، وأما في فترة الأزمة فأصبح الزوار بالآلاف يومياً لأنها أصبحت متنفساً لآلاف العائلات السورية الوافدة من مختلف المحافظات هرباً من جحيم الحرب وويلات الحصار.
تتحدث العديد من الجهات الرسمية بالمحافظة عن أن عدد الوافدين إليها أصبح يوازي عدد سكانها أي أكثر من مليون مهجر، وحديقة الباسل إحدى الأماكن التي تحولت إلى ملتقى لآلاف العائلات التي قدمت إلى طرطوس ليستقروا فيها مؤقتاً وهرباً من الجحيم الذي يعصف بمختلف مناطق بلدنا الحبيب. ولوحظ بالشهور الأخيرة الأعداد الهائلة من الإخوة الحلبيين والذي أصبحت أعدادهم بمئات الآلاف.
حصار ودمار ونزوح..
و«قاسيون» دائماً حاضرة لمواكبة مشاكل وهموم السوريين الوافدين والتي لا تعد ولا تحصى، والتقت الكثير من العائلات المهجرة التي شرحت معاناتها وآلامها من جراء هذه الأزمة العاصفة التي تهز البلد كله.
أبو أحمد مهجر حلبي، تحدث لـ«قاسيون» بألم عن حجم معاناتهم «كان لدي في حلب مشغل للخياطة يعمل فيه أكثر من خمسين عاملاً، وكنا نصدر بضاعتنا إلى مختلف أنحاء العالم، وأما الآن فلقد أحترق الجزء الأكبر من الآلات في المعمل وفي اللحظات الأخيرة استطعت إنقاذ بعضها، فقدمت إلى طرطوس لأنها مكان آمن، وكلنا أمل أن ينتهي هذا الكابوس ونعود إلى مناطقنا».
أم خالد أيضاً حلبية، أم لخمسة أولاد تحدثت بحزن وأسى عن معاناتها «أحد أولادي سائق تكسي واستشهد بقذيفة هاون، ومحل السمانة الذي نملكه في حي صلاح الدين احترق نتيجة القصف والقذائف، وزوجي مريض بالسكري ويحتاج إلى الرعاية والعلاج ولا يوجد معيل إلا راتبه»، وتابعت أم خالد حديثها بحرقة «إن الذي يحدث في سورية مثل المنام ومثل الأحلام فالقتل والذبح والخطف أصبح شيئاً عادياً في حياتنا...».
أحلام الشباب في مهب الأزمة
وسيم شاب حمصي، متزوج حديثاً، تحدث قائلاً «بعد أن أكملت مشروعي وحلمي وأنشأت محلاً في حي الحميدية لبرمجة الكومبيوترات احترق المحل واحترق منزلي أيضاً بسبب القصف المتبادل وأصبحنا على الحديدة، وأنا أعيش الآن من راتب ضعيف لعمل جديد والبيت مستأجر ونحن ننتظر الفرج».
فاطمة فتاة حلبية، مدرسة لغة عربية تهجرت بسبب الأحداث، قالت لـ«قاسيون» أنا «أقيم مع أهلي هنا منذ أكثر من خمسة أشهر ولا يوجد إلا راتبي كمعيل للأسرة فهناك اثنان من أخوتي يخدمان بالجيش العربي السوري ولم أشاهدهما منذ أكثر من سنة ونصف، ووالدي مخطوف منذ سبعة أشهر ولا نعرف عنه شيئاً حيث طلب الخاطفون منا فدية مالية لا نستطيع دفعها»، وتابعت فاطمة والدمعة على خدها «أنا كمدرسة للغة العربية لم أجد في القاموس والمعجم مفردات أستطيع التعبير عنها مما شاهدت. وإن هذه الدماء ستكون قرباناً لسورية الجديدة التي نريدها جميعاً...».
استمرار الحرب جريمة..
أبو محمد مهجر من دير الزور، تحدث قائلاً «أنا وأولادي السبعة وأخوتي الثلاثة وعائلاتهم جميعاً أصبحنا بطرطوس لأن الحي الذي كنا نسكن فيه بديرالزور أصبح خراباً ودماراً، ولا نعرف متى سينتهي هذا الكابوس، وإننا نقوم بمختلف أنواع الأعمال الصغيرة لكي نتقي شر العوز والجوع. وأكبر جرح يعاني منه السوري الآن هو جرح الكرامة فأغلب وقتنا نقضيه في البحث عن معونات الهلال الأحمر والجمعيات الخيرية وأنا أقول عبر صحيفة «قاسيون» المحترمة إن كل داعٍ لاستمرار هذه الحرب وإلى استمرار القتال من أي طرف كان هو مجرم بحق الشعب السوري كله وهو خائن حقيقي لأن بلدنا أصبحت على حافة الهاوية، وإذا استمر القتال والدمار لعام آخر ستصبح سورية مجرد ذكرى من ذكريات التاريخ».