هذا ما حدث في القصر العدلي باللاذقية
المحاماة هي تلك الرسالة السامية التي ترتقي إلى مرتبة الرسالات السماوية، بحثاً عن الحق والعدل في الأرض. فالمحاماة مهنة حرة تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة وتأكيد سيادة القانون. فهي قائمة على الدفاع عن حقوق الغير والتوعية القانونية للمواطنين بحقوقهم وواجباتهم.
ولكن ماذا يحدث فيما إذا تم الاعتداء على ممارسي هذه المهنة، وتعطيل دورهم السامي في المجتمع، ووضعهم في حالة من الخوف والهلع على حياتهم إذا ما قاموا بتحقيق العدالة وإحقاق الحق.
إن ما حدث في حرم القصر العدلي في محافظة اللاذقية تجاوز كل اعتبار وفرض حالة من الدهشة والهواجس التي ما زالت ترافق حتى اليوم، عدداً كبيراً من المحامين والقضاة وأفراد المجتمع.
قام مواطن خسر دعوى له، بالاعتداء بالضرب على محامي الخصم، بمعاونة عدد من أقربائه. فبعد أن انتهت إجراءات الدعوى وأصدر القاضي المختص حكمه في الدعوى، غادر المحامي قاعة المحكمة واتجه نحو قاعة المحامين التابعة لنقابة المحامين فرع اللاذقية داخل المحكمة، حيث كان المحامي يدير ظهره عندما باغتوه بضربه على رأسه وجسده بشكل وحشي أمام نظر وحضور المحامين، الذين وقفوا مذهولين من هول ما يحدث. وبعد أن قام عدد من المحامين والأشخاص المتواجدين، بإبعاد الوحوش البربرية عن المحامي الذي لا حول له ولا قوة، قامت عناصر أمن المحكمة باصطحاب المحامي والمعتدين إلى مكتب معاون رئيس النيابة الذي كان يريد اعتبار ما حدث على أنه مشاجرة جماعية!!؟
وقام المحامي العام في اللاذقية بإحالة الأمر إلى محكمة بداية الجزاء بدلاً من قاضي التحقيق، وإصدار قرار بتوقيف المحامي والمعتدين. إلا أن المحامين الزملاء قاموا بالاعتصام أمام مكتب النائب العام وأجبروه على الإفراج عن المحامي المعتدى عليه، باعتبار أنه اعتداء على محامي أثناء ممارسة عمله داخل حرم المحكمة. فالمحامي يمتلك حصانة من الاعتداء عليه وكل من يعتدي على محام خلال ممارسته مهنته أو بسببها، يعاقب بالعقوبة التي يعاقب عليها فيما لو كان الاعتداء واقعاً على قاضٍ, المادة 78 الفقرة /ز/: «كل من يعتدي على محامٍ خلال ممارسته مهنته أو بسبب ممارسته لها، يعاقب بالعقوبة التي يعاقب عليها فيما لو كان الاعتداء واقعاً على قاضٍ».
والمقصود بالاعتداء، كل فعل من شأنه أن ينال من شرف المحامي وكرامته، دون اشتراط نوع معين من الاعتداء. فهو ليس محصوراً بالضرب والإيذاء، وإنما يشمل الذم والتحقير. ولهذا جعل المشرع منزلة المحامي بمنزلة القاضي حين الاعتداء عليه، وذلك حفظاً لكرامته وحريته من اعتداء بعض الخصوم، الذين تسوّل لهم أنفسهم إجراء أي فعل من شأنه أن يحط من منزلة المحامي، ويقلّل من قدره أثناء ممارسته لمهنته، للوصول إلى إظهار الحقيقة ونشر الحق والعدل.
ترى هل سيكون للسلطات المختصة رأي فيما حدث؟ أم علينا أن نهنئ المحامي بالسلامة لأنه نفد بجلده، خاصةً وأن الجناة هم أحرار حالياً بعد الإفراج عنهم لسبب غير مفهوم؟!!