لا يموت حق : الجرائم ضد الإنسانية.. من له حق التدخل؟؟
تثير الجرائم ضد الإنسانية في القانون الدولي مسألة الاختصاص الدولي بمعنى أنها شؤون خارجة عن الاختصاص المحلي وذلك لأن المشاكل المتعلقة بالجرائم ضد الإنسانية أصبحت مسألة دولية وبالتالي تقتضي علاجاً دولياً, فمن حيث المبدأ أصبح التدخل الخارجي فيها أمراً مقبولاً .
ثم إن طرح الموضوع من زاوية «حق التدخل» يفترض أن هناك تنازعاً في الاختصاص من أجل كسب الحق في التدخل فيما يتعلق بالمشاكل التي تهم الإنسانية وهذا يدعم دون شك آراء عارضها الذين يدعون اكتساب هذا الحق بما لهم من مصالح مباشرة وأخرى غير مباشرة في التدخل في بعض الحالات وفي عدم التدخل في حالات أخرى. لكن لو طرح السؤال كالتالي: في الجرائم ضد الإنسانية من يقع عليه الالتزام بالتدخل؟
وبتقديري إن حماية الإنسانية وكرامة الإنسان ستتوقف على إرادة وحرية بعض المؤسسات الدولية حيث تسود المبادلة والنفاق السياسي, وبمراجعة حالات التدخل السابقة في العالم التي تمت تحت مظلة الإنسانية كانت في حقيقتها تحالفات حرة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية من دون مشاركة كل الدول ذات السيادة المكونة للمجتمع الدولي والقانون الدولي وكل العمليات العسكرية اتخذت باسم المجتمع الدولي وإذا كان المجتمع الدولي في آخر المطاف هو جوهر كل تدخل فإن التساؤل بناء على ذلك سيصبح: من يمثل المجتمع الدولي؟ هل هي مؤسسات الأمم المتحدة؟ أم منظمة حلف الأطلسي ؟ ثم إن إنشاء دفاع أوربي مشترك والذي سيغير الخارطة السياسية ألن يدعي لنفسه حق التدخل في الحالات التي يريدها؟
لقد شهد العالم ويشهد تدخلات مختلفة في نزاعات مختلفة إلا أن النقاش كان يدور حول «الحق» في التدخل مع الأسف وليس حول «الالتزام» بالتدخل, فغياب الالتزام بالتدخل كان واضحاً وعن عمد في قضايا معينة على سبيل المثال القضية الفلسطينية وأيضاً النظام العنصري في جنوب إفريقيا وفي قضية الأكراد داخل تركيا, وعلى ما يبدو أن هناك عدة أطراف ادعت كسب حق التدخل، هذا الحق الذي أثرت على ممارسته عوامل، أهمها باعتقادي الأطراف المعنية بالأمر والموقع الجغرافي للنزاع والقوة العسكرية لمرتكبي الجرائم ضد الإنسانية ومنح حق التدخل حسب هذه المعايير، وبعيداً عن نصوص القانون الدولي يؤدي إلى المعاملة بمعيار مزدوج, ويبقى السؤال حول ما إذا كان هذا الأسلوب والطريقة التي اتبعتها حتى الآن المؤسسات المدعية بتمثيل المجتمع الدولي هو الأسلوب الحقيقي والذي يجب احترامه لمعالجة مسألة الجرائم ضد الإنسانية