«الأضحى» يمر على السوريين دون أضاح أو حج..  طقوس الفرحة ذهبت ضحية للأزمة

«الأضحى» يمر على السوريين دون أضاح أو حج.. طقوس الفرحة ذهبت ضحية للأزمة

عاد عيد الأضحى كما كل عام، غير آبه بما آلت إليه حال الأسر السورية منذ عام وحتى اليوم، فبالنسبة للكثير من الأسر، إن كلمة «عيد» ضمن عبارة «عيد الأضحى» أصبحت فاقدةً لمعناها بشكل كامل، في حين افتقدت أسر أخرى لمعنى الكلمتين،»

فلا فرحة ولا «أضحية» هذا العيد، وحتى ما فرضه الله عليهم من «حج» إلى مكة لمن استطاع إلى ذلك سبيلاً، حرموا منه عنوة، وأجبروا هذا العام على الاكتفاء بمراقبة حجاج بيت الله الحرام عبر شاشات التلفزة فقط «وبحسرة

ورغم محاولات بعض الأسر لإحياء ما يمكن احياؤه من هذا العيد، صُدم ذلك بجدران الأسعار العالية التي ألهبت الأسواق السورية، في حين فقد عيد الأضحى الكثير من تقاليده وطقوسه التي اعتادوا عليها سابقاً.

فقدان التواصل مع الأحياء والأموات
اعتادوا الاستيقاظ باكراً كل عيد، ليقطعوا مسافة لا بأس بها سيراً على الأقدام باتجاه «المقبرة» ليزوروا  قبور موتى العائلة وقراءة الفاتحة بعد وضع بعض الأغصان الخضراء عليها، إلا أن هذا الطقس وغيره من الطقوس والعادات التي مارستها الأسر السورية سابقاً قد اندثرت منذ أكثر من عام بعد توتر جزء كبير من المناطق.
عائلة «أبو حسان»، التي كانت تقطن في مدينة دوما بريف دمشق، لم تزر قبور العائلة هذا العام، فبعد أن توترت المنطقة بشكل كبير، هجروها مع عوائل كثيرة إلى دمشق، وأصبحت العودة إلى هناك شبه مستحيلة، ليس لزيارة الأموات فحسب، بل حتى للاطمئنان عن حال منزلهم وممتلكاتهم المهددة بالسرقة في أية لحظة إن لم تدمر.
كانت أولى طقوس العيد التي هجرتها عائلة «أبو حسان»، هي زيارة المقبرة صبيحة العيد، لكن هذه الزيارة لم تكن الوحيدة التي افتقدتها العائلة مجبرة، فعلى الرغم من أن التواصل الاجتماعي يعتبر الأهم في هذه المناسبات «الأعياد»، إلا أن تشرذم أوصال العائلة في مناطق عدة هرباً من سخونة مدينة دوما سابقاً، أدى إلى انحسار قضاء أيام العيد بين أفراد أسرة «أبو حسان» الصغيرة المؤلفة من 5 أشخاص، لكن دون «فرحة» كما وصفوا.
العيد بالنسبة لعائلة «أبو حسان»، مجرد عدة أيام في الأسبوع تمر دون وجود دوام رسمي في دوائر الدولة، أما ما تبقى من أمور «فهي لا تعنيهم»، كما أكد أبو حسان، والذي تابع إن «فقدان منزلي في دوما وتشرد عائلتي في مناطق مختلفة، ووجود ضحايا ضمن العائلة، منعني من الشعور بالعيد أو حتى إيهام أطفالي الصغار بأني سعيد».
التواصل بين جميع أفراد الأسرة الواحدة في ظل الظروف الراهنة التي تمر بها البلاد أضحى شبه مستحيل، وبعد أن كانت عطلة العيد محطة يجتمع فيها أفراد العائلة، باتت هذه المحطة لبعض الأسر، مجرد وقفة لاسترجاع ذكريات من فقدوا التواصل معه أو فقدوه بشكل نهائي.
وتعاني بعض المناطق في سورية من حصار مفروض عليها من طرفي النزاع المسلح في سبيل إخضاع الطرف الآخر، ما زاد من ويلات المدنيين في هذه المناطق وجعل من التواصل بينهم وبين المناطق الأخرى شبه مستحيل.

من الفرح إلى الأسى
«في كل أسرة شهيد، وفي كل أسرة مصاب، وفي كل أسرة مهاجر، والعيد لم يعد عيداً كما الماضي، فالظروف فرضت علينا سلوكيات جديدة غيّرت من هيئة العيد ككل» بحسب أبو سليمان- رب لأسرة فلسطينية سورية- في دمشق، الذي تابع «في عائلتنا أكثر من 6 شهداء فقدناهم خلال الأحداث الدائرة في البلاد، وحوالي 4 أشخاص لا نعلم أين هم بالتحديد، وأكثر من ست عائلات مهجرة من منازلها، وحوالي 5 مهاجرين، خارج البلاد أوضاعهم صعبة، ما فرض علينا أجواء أخرى للعيد انقلبت من الفرح إلى الشعور بالأسى عند استرجاع الذكريات».
وأردف «من غير المعقول أن نقدم الحلويات أو أن نشتري الملابس الجديدة في العيد، ووضع العائلة بهذا الأسى، حتى أننا غير قادرين حالياً على لم شمل ما بقي من الأسرة في العيد لنشعر ببعض السعادة، فكل الظروف المحيطة لا تساعد على ذلك».

محاولة فاشلة لاستراق البسمة
حاولت الكثير من الأسر الخروج من قالب الحزن الذي فرض عليهم، وسعوا نحو الشعور بالفرحة ولو لعدة أيام معدودة، ومع ذلك، صدمت هذه الأسر بجدار غلاء الأسعار، الذي حال دون مساعيهم لإحياء تقاليد العيد المعهودة ضمن المتاح ورغم الغصّة.
الملابس الجديدة التي ارتبطت بها الأعياد بالنسبة للأطفال، حلّقت إلى أرقام خيالية لا يمكن لأصحاب الدخل المحدود ومن لديه عدة أطفال أن يجاريها، فقد وصلت كلفة إكساء طفل عمره 6 سنوات من سوق شعبي حوالي 7 آلاف ليرة سورية وذلك دون معطف شتوي، أي أن كلفة إكساء 3 أطفال تصل إلى 21 ألف ليرة سورية دون معاطف، أي أكثر من راتب الموظف الحكومي.
وعدا عن الملابس، فقد شكل قدوم عيد الأضحى مع بداية فصل الشتاء ضربة قاسية على الأسر محدودة الدخل، فهم بحاجة إلى مازوت للتدفئة ومسلتزمات فصل الشتاء الأخرى، ما دفعهم إلى اختصار الكثير من مستلزمات العيد ابتداءاً من الملابس وانتهاءاً بالحلويات، في سبيل تأمين دفء الشتاء، في حين  ألغت بعض الأسر الأخرى تقليد زيارة المطاعم في الأعياد بشكل نهائي، بعد الغلاء الذي طالها وضعف الرقابة على أسعارها.
غلاء الأسعار لم يمنع الأسر السورية من شراء الملابس والحلوى فقط، بل منعهم حتى من أداء الشعائر الدينية المرتبطة بعيد الأضحى، وهي سنة ذبح الأضاحي وتوزيع لحومها على المحتاجين، فغلاء الخراف حال دون ذلك في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، حيث وصل سعر الخروف الواحد المتوسط إلى 50 ألف ليرة سورية، ما جعل أغلب الأسر السورية «محتاجة»، تستوجب الحصول على حصة من الأضحية بدلاً من تقديمها.

الحج عبر شاشات التلفزة
ويعتبر الحج الفريضة التي تميّز أجواء عيد الأضحى، إلا أن السوريين هذا العام حرموا حتى من تأدية فريضة الله،  وهذه المرة ليس لغلاء الأسعار أو حتى الوضع الاقتصادي الخانق الذي تعاني منه أغلب الأسر، بل نتيجة «قرار سياسي» حرم الكثير من السوريين أداء مناسك الحج.
ادخر «أبو سماعيل» الذي يبلغ من العمر 65 عاماً ما يكفيه لأداء فريضة الحج «قبل أن يأخذ الله أمانته» كما قال، وتابع «قطعت عن نفسي عدة أمور هامة وأخذت أدخر من مالي وأجمع بعض التبرعات من أقاربي علّني أؤدي مناسك الحج هذا العام لأول وآخر مرة في حياتي».
لكن مساعي «أبو سماعيل» ذهبت أدراج الرياح هو وغالب السوريين، وقد اقتصرت مناسك الحج بالنسبة إليهم هذا العام، على متابعتها عبر شاشات التلفزة بحسرة، بعد أن حصرت السعودية الحج للسوريين فقط عن طريق ما يسمى «الائتلاف السوري المعارض»، القرار  الذي حرم الكثير ممن نووا الذهاب لزيارة الأراضي المقدسة، كون السلطات السعودية قاطعت المؤسسة الرسمية المسؤولة عن الحج والعمرة والتابعة للحكومة السورية.
 وكانت مديرية الحج والعمرة السورية قد حاولت التواصل مع الجهات السعودية للتراجع عن هذا القرار، دون جدوى.
ويمر العيد مرة أخرى على سورية، في ظل وجود العديد من الأسر النازحة والمهجرة من منازلها والتي تقطن في مراكز الإيواء، عدا عن أسر فقدت مدخولها المادي بشكل كامل، ما أفقدهم الشعور بالفرحة.

آخر تعديل على الأربعاء, 15 كانون2/يناير 2014 17:18