زراعة القطن في البوكمال..

زراعة القطن في البوكمال..

دخلت زراعة القطن في سورية في خمسينيات القرن الماضي، وكانت هذه خطوة في الاتجاه الصحيح حيث يعتبر القطن من المحاصيل الإستراتيجية على المستوى العالمي..وخاصةً أن الموارد المائية والمساحات متوفرة في سورية..

لذا شكل رافداً مهما للاقتصاد الوطني عبر تصديره للخارج كما ساهم في انتشار وتوسع صناعات الحلج والغزل والنسيج وقدم له الدعم وفق سياسات زراعية مقبولة رغم أن سعر شرائه من الفلاح كان أقل بكثير من سعره في السوق العالمي..

وفي العقد الأخير تراجعت الزراعة عموماً في سورية نتيجة السياسات الاقتصادية الليبرالية والنهب والفساد ورفع أسعار المحروقات وارتفاع تكاليف الإنتاج من بذار وأسمدة ومبيدات وحراثة وغيرها..وكانت هذه السياسات السبب الأساس في انفجار الحراك الشعبي في الأرياف والمدن الريفية منذ سنتين ونصف..
واليوم مع تفاقم الأزمة السورية وتعقدها تراجعت الزراعة بمستويات كبيرة في سورية ومنها منطقة البوكمال التابعة لمحافظة دير الزور والتي تقع في أقصى الشرق على الحدود العراقية وكانت من أكبر المتضررين حيث كانت تنتج سنوياً حوالي ثلاثين ألف طن من القطن وقد انخفضت حالياً نسبة الأراضي المزروعة إلى 10% فقط من السابق لأسباب عديدة منها ارتفاع تكاليف الإنتاج بنسبة لا تقل عن 300% وتصل أحياناً إلى 500% وانخفاض كميات مياه الري الحكومي وانقطاع التيار الكهربائي لدى المزارعين الذين حولوا محركاتهم إلى الكهرباء بعد ارتفاع أسعار المحروقات وندرتها، وهجرة أبناء المنطقة إلى دول الخليج وتهجير الغالبية ممن بقي بسبب الوضع الأمني والأحداث الجارية فيها والشيء الخطير أن إنتاج بذار القطن حسب البيئة السورية قد تراجع كثيراً ودخلت البلاد كميات من البذار والأسمدة والمبيدات من الخارج عبر تركيا بشكلٍ مهرب بأسعار عالية جداً ونوعيات أدنى لا تتناسب مع البيئة والمقاييس السورية ناهيك عن معاناة التسويق الحالية وغيرها..وأكثر المتضررين من كل ذلك هم أصحاب الحيازات المتوسطة والصغيرة من الأراضي.. وقد انعكس ذلك على أوضاعهم المعيشية ووصل إلى حد المحافظة على الوجود والحياة رغم الخسائر الكبيرة المادية والمعنوية..
 وعلى الرغم أن الحكومة قامت برفع سعر استلام القطن في الفترة الأخيرة إلاّ أن هذه الزيادة لا تشكل إلاّ جزءاً بسيطاً من ارتفاع تكاليف الإنتاج وغير كافية لبقاء واستمرار الفلاحين بالزراعة..
لا شكّ أن حلّ كثيرٍ من القضايا مرتبط بحل الأزمة السورية ككل..لكن ليس من الصعب توفير البذار والأسمدة والمبيدات بالكميات اللازمة عبر منافذ بيع يمكن أن تضمن وصولها إلى الفلاحين..ولابد أيضاً من رفع سعر قيمة الأقطان بما يتناسب مع سعرها العالمي ويكفل الحد الأدنى من المعيشة للفلاحين وبما يحقق كرامة الوطن والمواطن..