معلولا.. المساومة على التاريخ
هشام الأحمد هشام الأحمد

معلولا.. المساومة على التاريخ

كان لارتفاع درجة التصعيد العسكري في ريف دمشق أن تصبح أوابد البلد الأثرية مادة  للمساومة بين الطرفين. هذا الموضوع وغيره، يؤكد أولوية الحل السياسي كضرورة لا بد منها للحفاظ على كل ما هو فوق الصراع.

بعيد انطلاق الحملة العسكرية في ريف دمشق بساعات، التي سميت بعملية «درع العاصمة»، وقعت مجزرة «الكيماوي» في الغوطة الشرقية، وكانت النتيجة أن تصبح تلك المجزرة مادة للسجال حول «شرعية» العدوان على سورية. ولم تكن تلك الواقعة الرهيبة النتيجة الوحيدة للتصعيد العسكري في الريف، فالنتيجة الثانية كانت «معركة معلولا». إذ قامت حركة «أحرار الشام» و«كتيبة صقور الشام» وكتيبة تابعة للجيش الحر، بالهجوم على «حاجز التينة» للجيش العربي السوري، في مدخل مدينة معلولا يوم الأربعاء الفائت، الرابع من الشهر الحالي، تلا ذلك دخول المسلحين إلى المدينة. وفي اليوم التالي أعلنت مصادر من القوى المهاجمة استعدادها للانسحاب من المدينة «حفاظاً على قيمة المدينة الحضارية والتاريخية». وبعد تقدم وحدات من الجيش السوري إلى المنطقة، وصلت تعزيزات إلى المسلحين المتواجدين في المدينة، وبلغ عدد المسلحين في المدينة وأطرافها حوالي 3000 مسلح.
معلولا في اتون المعارك
أي أن الهجوم على هذه المدينة من جانب المسلحين لم يكن محض مصادفة أبداً، بل هو كمين للجيش السوري لمساومته على قيمة المدينة التاريخية، وخصوصيتها في الريف الشمالي.
خلال العام والنصف الماضي كان جوار معلولا مشتعلاً بمعارك الريف الدامية، إلا أن خصوصية المدينة جعلتها بمنأى عن هذا الصراع، إذ أن المدينة الأثرية كانت ملجأ لكثير من نازحي المناطق المجاورة، لكن التعقيد الذي نشأ في الريف خلال الأسبوعين الماضيين، أزال كل حس بالمسؤولية الوطنية والأخلاقية أمام الأطراف المتصارعة، ودفعها إلى استثمار هذه المدينة في الصراع الدامي، وإلى غيرها من حوادث العنف في المناطق الأخرى من ريف دمشق.
وكان «الجيش الحر» قد سيطر منذ عدة أشهر على «فندق السفير» الذي يقع على أطراف المدينة، ومع ذلك لم تتغير حياة هذه المدينة، وبقيت رابضة بسلام في الريف الشمالي الملتهب كآخر الشواهد على الحياة الطبيعية الآمنة، التي تمثل الطابع الأصيل ليس للريف فقط بل لسورية بكاملها.
نزوح، خطف، حصار
إلا أن سعي بعض القوى التكفيرية للبحث عن انتصار معنوي أمام الضربات التي تتلقاها من الجيش السوري، جعلها تستثمر هذه المدينة في بازار الصراع، غير آبهة لعواقب هذا الهجوم على المدينة. فكانت النتيجة أن نزح أكثر من ألفي من أهالي المدينة واستشهد العشرات وخطف حوالي 15 شخص، وبقي أكثر من 100 شخص محاصراً في المدينة، ممن رفضوا الخروج منها، من الأهالي والرهبان والراهبات، كالأم بيلاجيا وراهبات أخريات في دير مار تقلا.
وكان أيضاً أن تضرر دير مار إلياس الراعي الأثري، إثر سقوط قذائف هاون من جهة المسلّحين، ولا تزال حصيلة الخسائر في الأبنية الأثرية غير محصورة، في ظل احتدام الصراع على الأرض.
كسب النقاط على حساب مَنْ؟
وفي يوم الجمعة الفائت أعلن الجيش عن عملية وصفها بالـ«دقيقة» لاستعادة المدينة، بمعنى أن العملية تأخذ بعين الاعتبار الحفاظ على أرواح المحاصرين، وعلى الأبنية الأثرية للمدينة، وبالفعل جرى تقدم بعدها حتى ساحة المدينة، بينما بقيت أطرافها الشمالية والشرقية تحت رحمة قناصة المسلحين.
ولا تزال المعارك تحف بالمدينة، بالرغم من سيطرة الجيش على معظم المدينة.
في ظل انعدام إمكانية الحسم العسكري لأي من طرفي الصراع يؤدي التصعيد العسكري بهدف كسب النقاط إلى مثل ما رأينا من مأسٍ في مدينة معلولا، حيث تصبح مدينة عمرها آلاف السنين مادة للمزايدة واختلاق الأوهام، التي من شأنها أن تطيل من عمر العنف كوسيلة أثبتت عدم جدواها في حل الأزمة.