العنف القانوني
يتعرض المواطن السوري إلى أشكال متعددة من العنف، ومنها العنف القانوني، وفي هذه الدراسة سنقف عند بعض تجليات هذا الشكل من العنف، والذي يأخذ مظاهر عديدة..
ولاًــ العنف القانوني الممارَس على الطفل:
تتألف اتفاقية حقوق الطفل التي وقّعت عليها سورية بالمرسوم رقم 8 لعام 1993 والصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة من مقدمة و 54 مادة تعتبر المظلة القانونية العالمية التي تحمي الطفل. ومن الجدير بالذكر أن سورية تحفظّت في بادئ الأمر على 3 مواد منها، ومن ثم انحصر التحفظ على مادة واحدة وهي المادة 14 المتعلقة بحرية التدين عند الطفل.
إن نصوص هذه الاتفاقية وعلى الرغم من توقيع سورية عليها تعد غير ملزمة، الأمر الذي ساعد على تنصّل الدول من تضمين هذه الاتفاقية في قوانينها الداخلية. هذا وقد عرّفت الاتفاقية الطفل: بأنه كل إنسان لم يتجاوز 18 من عمره. غير أننا نرى من خلال النظر إلى الواقع القانوني في بلدنا بأن هناك حالة من عدم التوازن القانوني التي يعاني الطفل في ظلها تهميشاً مدعوماً بالنصوص القانونية، وسنفصّل ذلك بالقوانين التالية:
1) قانون الجنسية:
جاء في نص المادة 3 من المرسوم التشريعي رقم 276 للعام 1969 بأن الطفل يُحرم من جنسية والدته إذا كانت متزوجة من شخص غير سوري، حتى ولو عاش هذا الشخص في سورية طيلة حياته، ويبقى هذا الطفل محروماً من جنسية البلد الذي عاش فيها كل حياته وتتم معاملته معاملة الأجنبي فيها. كما جاء أيضاً بأن الطفل يبقى مجهول النسب في حال أراد والده السوري المتزوج من أجنبية عدم الإقرار بنسبه له، الأمر الذي يشكل مخالفة للمادة 7 من اتفاقية حقوق الطفل حيث تقول المادة «يسجل الطفل بعد ولادته فوراً، ويكون له الحق منذ ولادته في اسم، والحق في اكتساب جنسية، ويكون له قدر الإمكان الحق في معرفة والديه وتَلَقّي رعايتهما».
2) قانون الأحوال الشخصية:
جاء في المادة 15 منه بأن اكتمال أهلية الزواج يتم لدى الشاب عند بلوغه 18 من عمره، ولدى الفتاة عند بلوغها 17 من عمرها. أي أن هذه المادة ميّزت بين الطفل الذكر والطفلة الأنثى من حيث سن الزواج، وهذا ما يخالف كل من اتفاقية حقوق الطفل والدستور السوري اللذين حددا سن الأهلية القانونية بثمانية عشر عاماً لكلا الجنسين، حيث لايجوز بحسب الاتفاقية إبرام عقد الزواج قبل هذه السن. كما أتاحت المادة 18 من القانون ذاته الزواج للطفل المراهق عند إكماله الخامسة عشرة من عمره، وللفتاة عند إكمالها الثالثة عشرة من عمرها.
نلاحظ مما سبق العنف القانوني التمييزي الذي تمارسه قوانين الأحوال الشخصية على الطفل في سورية منتهكةً بذلك العديد من الاتفاقيات والمواثيق الدولية بحجج دينية تارةً واجتماعية متخلفة تارةً أخرى.
بالانتقال إلى موضوع حضانة الطفل، يقع الطفل بسبب المادة 146 من قانون الأحوال الشخصية ضحيةً للمنازعات بين والديه. إضافةً إلى أنه وعند انفصال الوالدين، لا تؤخذ مصلحة الطفل بعين الاعتبار، حيث يقوم أحد الوالدين وبقوة القانون بأخذ الطفل حتى ولو كان هذا الإجراء يتعارض مع المصلحة الحقيقية له. ناهيك عن أن هذه المادة تتعارض مع المادة 3 من اتفاقية حقوق الطفل التي تنص على أن «مصلحة الطفل هي العليا».
3) قوانين العمل:
بالنسبة لقانون العمل رقم 50 لعام 2004، فقد صدرت قرارات عن وزارة الشؤون الاجتماعية تمنع تشغيل الأطفال قبل تمام سن الخامسة عشرة. إلا في حالة إجراء فحص طبي عند بداية العمل للتأكد من قدرة هؤلاء الأطفال على العمل، وتتم - وفق القرار - إعادة هذا الفحص سنوياً إلى أن يصل الطفل إلى سن الرشد، هذا ولم يحدد القرار المذكور هوية الجهة المخولة بالفحص!!
لقد جاء قانون العمل رقم 17 لعام 2010 بصيغةٍ أفضل من القوانين السابقة، غير أن كلاً من الدراسات والواقع تظهر بأن هذا القانون لا يتم تطبيقه على الأرض، حيث تبيّن بأن الأطفال يعملون لأكثر من ثماني ساعات يومياً، كما أن عملهم هذا يتم دون إبرام عقد لتنظيمه من جهة، ودون تأمين اجتماعي من جهة أخرى. ناهيك عن غياب السلطة الرقابية الفعّالة التي من شأنها أن تقوم بحماية الأطفال ومنع استغلال جهدهم.
4) القانون الجزائي:
يعاقب القانون من حيث المبدأ على بعض الأفعال التي توصف بأنها (أفعال يعاقب عليها القانون) ولكن المشرّع السوري واستناداً إلى حجج اجتماعية أجاز بعض هذه الأفعال وبررها كما جاء في فحوى المادة 85 من قانون العقوبات والتي سمحت لكل من الآباء والأساتذة الحق في ممارسة التأديب والتأنيب بحق الطفل. وتبدأ هذه الممارسة بلومه وتنتهي بضربه، والحجة في ذلك هي مصلحة الأسرة ومن ثم مصلحة المجتمع، الأمر الذي يتنافى مع المادة 19 من اتفاقية حقوق الطفل.
من ناحية ثانية، ووفقاً لقانون الأحداث، يوضع الأطفال الذين ارتكبوا جنحةً ما في سجنٍ مخصصٍ للأحداث بغرض إعادة تأهيلهم، لكن وفي الواقع فإن هذه السجون هي عبارة عن أمكنة تنتشر فيها الأوبئة الاجتماعية، بحيث يخرج الطفل منها محمّلاَ بجميع السلبيات نتيجة غياب الرقابة اللازمة على مراكز الأحداث هذه التي تم تخصيصها وفق نصوص قانونية لرعاية الأطفال الجانحين وتأهيلهم ليعودوا إلى المجتمع كأطفال أسوياء.
5) القانون الدولي الإنساني:
حددت اتفاقية حقوق الطفل سن الخامسة عشرة كحد أدنى للمشاركة في النزاعات المسلحة، ومن ثم أُضيف إلى هذه الاتفاقية بروتوكول اختياري - غير ملزم - ينص على رفع سن التجنيد الإجباري إلى الثامنة عشرة، ويدعو الدول إلى رفع الحد الأدنى للتطوع في القوات المسلحة إلى ما يزيد على 18 سنة، وإلى الزام الجماعات المسلحة بعدم استخدام الأطفال دون سن الثامنة عشرة في هذه النزاعات تحت أية حال من الأحوال. لكن وبنظرة سريعة إلى دول العالم، سنجد بأن أغلبها لم يلتزم بعد بهذا البند من الاتفاقية. بعد هذه النظرة الموجزة التي استعرضنا من خلالها أوجه العنف القانوني الذي يتعرض له الطفل في سورية، نطالب بأن يسارع المعنيون بالأمر إلى تعديل القوانين التي تخص الطفل وتفعيل الحماية المناسبة له بما يخدم مصلحة الوطن والمواطن.