الأزمة.. والفساد ورغيف الخبز في القامشلي
مهند كامل الحميدي مهند كامل الحميدي

الأزمة.. والفساد ورغيف الخبز في القامشلي

تشير أزمة الخبز في محافظة الحسكة والممتدة منذ أكثر من عامين إلى أن جميع الحلول التي اتّبعها المسؤولون في المحافظة لم تجدِ نفعاً، فما زال المواطن يراوح بين الانتظار في طوابير طويلة، أو اللجوء إلى السوق السوداء المزدهرة دائماً.

ويقدّم المسؤولون عن صناعة الخبز في المحافظة تبريرات كثيرة لأزمة الخبز ورداءة نوعيته دون أن يحلوا المشكلة في المحافظة- التي تعيش استقراراً أمنياً نسبياً- ما يهدد خبزها؛ المادة الأساسية التي طالما اعتبرتها الجهات الرسمية خطاً أحمر.

وتعاني مخابز القامشلي- كبرى مدن المحافظة- مشكلات عدة تمثلت بالنقص الشديد في مادة الطحين، وانقطاع الخميرة أحياناً، وشح المياه، وانقطاع الكهرباء بشكل متواتر، وسوء التوزيع على الأهالي نتيجة الفساد، وتسلط اللجان الشعبية على العمال والموظفين والمواطنين.
مخبز «البعث» تناله طلقات اللجان!
ويعتبر مخبز «البعث» أكبر مخابز القامشلي ويغذي ثلث المدينة تقريباً مهدداً بالتوقف عن العمل شتاءً مع دخول موسم الأمطار، بسبب طلقات نارية نالت من سقفه المهترئ أصلاً، وعاينت «قاسيون» السقف لتجده قد امتلأ بالثقوب التي تسمح بتسرب مياه الأمطار، والناتجة عن إطلاق عيارات نارية من «بواريد» عناصر في اللجان الشعبية (الجيش الوطني) تمّ إطلاقها لتفريق المواطنين المتجمعين في المخبز طلباً للرغيف، ما دفع معاون أمين المستودع وعضو اللجنة النقابية «فيصل العليوي» لإرسال مناشدة للمسؤولين عن طريق «قاسيون» يطالب فيها «بحل إسعافي لترميم سقف المخبز، تحسباً لكارثة إنسانية تعقب توقف الفرن شتاء إذا بقي سقفه دون إصلاح».
وأشار «العليوي» إلى أن عمال وموظفي الفرن «يعانون ظروف عمل صعبة إذ يصلون الليل بالنهار، في ظل غياب تام للمكافآت والحوافز، إضافة إلى معاناتهم من تسلّط اللجان الشعبية ووقوعهم تحت ضغط الأهالي والأقارب، الذين يُلقون باللوم عليهم في نقص الخبز، ما يتسبب بتعرضهم للإهانات والضرب في بعض الأحيان».
نقص كبير في الطحين
يعود السبب الرئيسي لضعف الإنتاج كما وصفه «العليوي» إلى انخفاض مخصصات المحافظة عموماً من الطحين بعد توقف توريده من الداخل السوري تماماً، ما دفع إلى الاعتماد على مطاحن المحافظة فقط، وهي ثلاث مطاحن؛ واحدة في مدينة الحسكة، واثنتان في القامشلي، تبلغ طاقة كل مطحنة منها 50 إلى 100 طناً يومياً فقط، في حين تحتاج المحافظة إلى أكثر من 450 طناً يومياً، ما يوقع المخابز في عجز يزيد على 150 طن بشكل يومي.
الأمر الذي أكده الموظف السابق في صوامع المدينة «جورج كورية» باعتباره أن السبب الرئيسي لأزمة الخبز هو شح الطحين بسبب توقف مطاحن حلب ودمشق عن الإنتاج، وإغلاق مطحنة دير الزور، واعتماد المحافظة على المطاحن المحلية التي لا تغطي الحاجة، يضاف إلى ذلك زيادة الطلب على الخبز من الأهالي، بعد استقبال مدن المحافظة لآلاف النازحين من المدن الساخنة في الداخل السوري عموماً «ما زاد الأزمة ورفع الاستهلاك إلى 30 بالمئة».
فساد ومحسوبيات في التوزيع
لا بد للحياة أن تستمر، وبما أن البلاد تعيش حالة حرب عبثية، كان لابد من التأقلم مع الظروف كافة، على هذا الأساس وُضِع المواطن أمام مشكلة نقص الإنتاج، وأُجبِر على التعامل معها وتحمُّل تبعاتها، ليدفع بدوره ضريبة الأزمة، وكان الحل الأمثل للتعامل مع نقص الإنتاج بوضع آلية توزيع عادلة للكميات المحدودة، تُرضي المواطن وتخفّف- في الوقت ذاته- العبء عن الدولة، لكن ما حصل أن الفساد تغلغل في عملية التوزيع ليبقى المواطن الخاسر دائماً.
مع بدايات أزمة الطحين أصدر المسؤولون قرارات عدَّة بإرسال دوريات مشتركة إلى الأفران، ينظّمون من خلالها الدور وتوزيع الخبز، لتدخل بعدها المحسوبية والفساد، ويُحرَم المواطن نتيجتها من خبز عياله، مضطراً- رغم معاناته أصلاً من انخفاض مستوى دخله في ظل انخفاض الليرة أمام الدولار- إلى التعامل مع تجار الأزمات لتأمين الرغيف من السوق السوداء بأسعار عالية وصلت أيام عيد الفطر إلى 150 ليرة سورية للربطة الواحدة، في ظل غياب تام للرقابة.
غياب الرقابة                                         وتغلغل الفساد داخل المخبز
وقال «فيصل العليوي» إن محافظ الحسكة شكّل لجنة للإشراف على عملية التوزيع في القامشلي، قامت بتخصيص مخبز «البعث» للجيش والأمن ومعتمدي الريف، أما مخبز «تشرين»- شرق المدينة- فيوزِّع لمعتمدي أحياء القامشلي، وتم تقسيم المدينة إلى قطاعات ليغطي كل قطاع معتمد أو معتمدان اثنان، ويبيع الربطة للمواطن بـ 20 ليرة.
وقامت «قاسيون» بجولة على القطاعات والتقت أعضاء في لجنة «مار أفرام الاجتماعية» في الحي الغربي ليؤكدوا أن كميات الخبز لا تكفي عائلات الحي التي تزيد على 600 عائلة في حين أن المعتمد لا يصله أكثر من 120 ربطة كل ثلاثة أو أربعة أيام.
وأضاف العليوي «إن جزءاً من المسؤولية يقع على عاتق المواطن إذ ما زال يتعامل مع الأوضاع العامة بعقليته السابقة وكأن الأزمة غير موجودة، أو يقوم بتخزين الخبز في بيته بكميات حارماً غيره منه». 
ويقول المواطن «ق.ع» إن ما يثير «الاستغراب هو تصريحات مسؤولي المحافظة التي تتخذ من مشكلة شح الطحين والماء والكهرباء وغيرها من متطلبات صناعة الخبز حججاً واهية، في حين لا تشمل تصريحاتهم السوق السوداء، حيث يتوفر الخبز لدى الباعة الجوالين وعدد كبير من المحلات بشكل يومي، ولكن بأسعار عالية، والسبب الرئيسي لمعاناة الأهالي هو غياب الرقابة وتغلغل الفساد داخل المخبز وخارجه والمتورط فيه بعض عمال المخبز وأعضاء في اللجان الشعبية المشرفة على التوزيع».   
انقطاع المياه والكهرباء
أثَّر الخلل في البنية التحتية للمدينة الذي سببته المعارك والاشتباكات والقصف في ريف القامشلي على إنتاج الخبز، إذ تعاني المخابز نقصاً في المياه، ويعطّل انقطاع الكهرباء عملية الإنتاج، وقال فيصل العليوي «يقوم العمال والفنيُّون بمحاولة تجاوز العقبات بجهود ذاتية، وفي ظل الانقطاع التام للمياه عن مخبز البعث منذ شهور، وكثيراً ما نقوم بشراء المياه (الصهريج سعة 2000 لتر= 300 ليرة) ويحتاج المخبز إلى 15 ألف ليتر مياه يومياً. كما أدى الانقطاع المتكرر للكهرباء إلى الاستعانة بمولدة (موديل العام1970) ولكنها سرعان ما تعطلت نتيجة الاهتلاك، فتوقف العمل في المخبز مدة ثلاثة أيام، قمنا بعدها بالاستعانة بمكتب حبوب القامشلي واستعارة مولدة كهرباء».
الأفران الخاصة تساهم في زيادة الأزمة
في ظل غياب الرقابة استغل بعض أصحاب الأفران الخاصة في القامشلي وريفها الأزمة، وساهموا في تفاقمها، رغم الدعم الحكومي للطحين والمحروقات، وقال رئيس لجنة «مار أفرام الاجتماعية» في الحي الغربي في القامشلي، جورج كورية، إن الدولة تقدِّم كيلو الطحين الواحد للفرن الخاص بـ 7 ليرات، في حين أن كلفته تصل إلى ما يقارب 60 ليرة، كما تقدّم الدولة ليتر المازوت الواحد بـ 7 ليرات، في حين تبلغ تسعيرة وزارة النفط 60 ليرة لليتر الواحد.
ورغم الدعم الحكومي لا تستهلك بعض الأفران الخاصة أكثر من كيس طحين واحد، في حين يصل للفرن يومياً سبعة أكياس، لتبيع الباقي من الطحين والمحروقات في السوق السوداء، وتحقيق أرباح فاحشة غير خاضعة للرقابة، بالإضافة إلى استفادتهم من خفض ساعات العمل لتوفير أجور اليد العاملة.       
في هذه الظروف الصعبة ضاق الأهالي ذرعاً بالفساد والممارسات الخاطئة التي باتت تهدد لقمة عيشهم، ورغيفهم، ويرون أن الحلول بسيطة؛ تتمثل بالاستعانة بمطاحن المحافظة الخاصة لتأمين الطحين، وتفعيل دور الرقابة ومكافحة الفساد.