فقراء طرطوس وتداعيات الأزمة!
من تداعيات الأزمة الوطنية التي تعصف بالبلاد، أن خلقت حالات من الخلل الاجتماعي والاقتصادي في البلاد كافة ونوع من الخصوصية لهذه المحافظة أو تلك ، وان كان قد أصابنا العجز في عدم تداركها منذ البداية معظمها لأسباب داخلية ،
لكن منطق الحياة يحتم علينا أن نتعامل مع الأزمة بتداعياتها العظمى بعقلية إدارة الأزمة لتخفيف تداعياتها إلى الحد الأدنى ، وهذا على ما يبدو ما افتقدناه وعلى مستويات مختلفة .
إلى جانب ظاهرة الهجرة التي تميز أهالي طرطوس تاريخياً وخاصة إلى الأمريكيتين، كان هناك ظاهرة العلم والبحث عن المعرفة، وهذا ما وجد جيل بالكامل يبحث عن فرصة عمل حسب شهادته، ونتيجة افتقادها في محافظته لم يتوارعن تقديم أوراقه لأي مسابقة تجريها الدولة في أي محافظة كانت، وخاصة بان الدولة منذ ما يقارب عقد من الزمن لم تنشأ أي منشاة اقتصادية في المحافظة، لذلك أصبح هناك شريحة كبيرة من أصحاب الشهادات وجدت نفسها في محافظات أخرى، وبالتالي بدأت تخطط لبناء حياتها حيث مكان عملها.
وفي خضم الأزمة قسم كبير منهم أجبر على ترك عمله عائداً إلى محافظته بعد أن خسروا عملهم وبيوتهم ومنهم من خسر قسماً من أسرته، وهذا ما أفرز شريحة اجتماعية كبيرة وذات خبرة في مجالات متعددة من الطب والهندسة والتعليم وغيرهما، وبالتالي بدأت بالبحث من جديد ضمن إمكانات بالأصل ضيقة عن مجال عمل وسكن وحياة جديدة. أضف إلى ذلك العدد الكبير من أبناء المحافظة الذين طلبوهم لخدمة العلم وما نتج عنها من قلة موارد الدخل للعائلة وخاصة الفقراء وخاصة الذين يعملون في الخدمات والأعمال الخاصة الأخرى ، وهناك عائلات معظم أفرادها في الجيش مما خلق حاجة وعوز عندها إلى الحد الذي يتطلب لهم الإغاثة .
ومن تداعيات الأزمة أيضاً، تضاعف تقريبا عدد سكان طرطوس من الوافدين من محافظات أخرى وخاصة من حلب، وهؤلاء منهم التاجر والمهندس والطبيب والمعلم والحرفي ومعظمهم بدأ يبحث عن سكن وفرصة عمل بالأصل كادت تضيق بقاطنيها.
مفارقات يجب حلها:
بالأصل قسم كبير من القطاعات الخدمية والاقتصادية مملوكة من خارج أبناء المحافظة، وما حققته من أرباح في هذه الأزمة وبفترة بسيطة لم تحققه في سنوات طويلة جداً، وعلائم الغنى بدأت تظهر علانية.
ويدل على ذلك طراز الحياة التي يعيشونها وإيجار أو شراء البيوت التي يسكنونها وحجم الحوالات المصرفية التي يستلمونها، مما أفرز ظاهرة في منتهى الخطورة، تتجلى في ارتفاع الإيجار الشهري لبيوت السكن إلى حد لم تشهده المحافظة من قبل، وبالتالي أفرز ظاهرة الجشع من المالك حيث لا يتوانى عن عدم تجديد العقد للمستأجر السابق مهما كانت الظروف لأن هناك مستأجراً جديداً يدفع أضعافاً، وحسب ما سمعنا بأن هناك توصية من الجهات المسؤولة في المحافظة بعدم إخلاء أي وافد مستأجر من بيته، فكان الوحيد الذي وجد نفسه عاجزا عن تسديد عقود الإيجار الجديدة هو ابن محافظة طرطوس الذي لم تسعفه حياته السابقة أو لم يستطع بظروفه الجديدة امتلاك بيت سكني له، وبالتالي أصبح ليس وافداً بل مهجراً داخل محافظته ووسط أهله، وبدأ يبحث في الأرياف القريبة من محافظته على سكن وان كان أكثر سوءاً لكنه أقل تكلفة، وبفعل عدم الإدارة الصحيحة للأزمة ولغياب القرار السياسي بذلك أصبح قسم لا بأس به من أبناء المحافظة أشد فقرا وأكثر عوزاً وحاجة للمساعدة من الوافدين وأكثر شعوراً بالاغتراب وسط أهله ومجتمعه، فهل يقترب ذلك من آذان الجهات الوصائية ؟ .