من الذاكرة : «دليلي احتار»
نحن اليوم إزاء تداخلات متباينة ومتنافرة صارخة قلّ نظيرها في تقدير الأمور والأحداث وتقييمها، ويزيد في شحنها وإثارتها محطات الاتجاهات المتعاكسة المشبوهة وهو واقع غير طبيعي، لكن بالرغم من ذلك فالحلقة الأساسية في هذه التقديرات والتقييمات والآراء تبقى ذلك التقييم المنطلق من دافع الحرص على الوطن مستقلاً موحداً، وعلى الشعب حراً سيداً، التقييم الملتزم مصلحة الجماهير الشعبية وحقوقها المشروعة في مجتمع إنساني سعيد.
وهذا يفترض أن ننحي جانباً كل التقييمات المرتجلة المزاجية الانفعالية، والتقييمات التي تجترها وتقذفها قوى الظلام والتخلف، فقد رماها التطور وراء ظهره منطلقاً إلى الأفضل والأحسن، وكذلك ما يلوكه البعض وهو في قمة توتره:
لماذا لا تكتبون وتعبّرون عن معاناة الشعب والوطن؟ وعندما نجيبهم بالوثائق والكتابات التي تعبّر عن خطنا السياسي الاجتماعي الاقتصادي والتي تملأ صفحات جريدتنا «قاسيون» ونسألهم: ألم تقرؤوها؟ يأتيك جوابهم العجيب الغريب: وماذا تفيد تلك الكتابات، كلها كلام بكلام، فتجد نفسك مضطراً أن تقول بالإذن من كوكب الشرق أم كلثوم: «دليلي احتار وحيّرني»!!
أما من هم أشد عداوة وأشرس ضراوة للشعب فهم «المتطرفون» في النظام والمعارضة، فالوطن لا يعني لهم سوى مشروع نهب وتسلط وقهر، أو ساحة تخلف ظلامي عفن، وما نسمعه كل يوم بل كل ساعة من «طروحاتهم» الصادمة، ويكفي شاهداَ على ما ذهبنا إليه من قول هذا المثال «الطازج»، ففي لقاء أجرته محطة الميادين الفضائية مع محافظ حمص الأربعاء الماضي، حيث سألته المذيعة عن الوضع في تلكلخ وأخبار المصالحة الوطنية، وجاءت إجابته على الصورة المعتادة المعهودة لكثير من المسؤولين: نحن ونحن ونحن، وبخصوص تعبير «المصالحة الوطنية»، قام المحافظ بالتهرب منه واستبدله بإبداع غير مسبوق بتعبير «إعادة ترتيب اجتماعي». وإذا سألهم سائل: ما الخطأ أو العيب في مصطلح «المصالحة الوطنية» وهو اليوم اسم لوزارة قائمة همها الأول والأخير السعي الجاد الصادق لتحقيق المصالحة بين الأطراف الوطنية المتصارعة.
إن المتشددين في النظام يفهمون المصالحة الوطنية على أنها إعلان التوبة وإلقاء السلاح والاستسلام وترديد الشعار، وهذا لعُمري لا يمت إلى المصالحة الوطنية بأي صلة... فوا عجباً يُميت القلب.