طيلة الأزمة والحكومة تقول «لا توجد أزمة محروقات»!.. هل نحن كاذبون؟
مرة جديدة، استطاع تجار الأزمة أن يأخذوا احتياطاتهم قبل دخول فصل الشتاء، وتأمين ما يكفي لكسب المال من المحروقات، خلال موسم البرد، بينما عجزت الحكومات على مدار سنوت الحرب، عن النظر نظرة استراتيجية ذات جدوى للأخذ بالوسائل اللازمة وحل المشكلة المتكررة مع كل شتاء، بدلاً من عدم الاعتراف بوجود أزمة محروقات بالأساس.
في الصيف، كانت المحروقات متوفرة نوعاً ما، باستثناء بعض الإختناقات خلال فترات متباعدة، وخلال هذه المدة، استطاع بعض التجار تخزين ما يريدون من مازوت وغاز، لبيعه في الشتاء، بينما لم تقم الحكومة حتى اليوم بتعبئة مازوت التدفئة للأسر جميعها المتقدمة بطلبات الحصول على المادة.
الأسود علناً
وصل سعر ليتر المازوت مؤخراً في السوق السوداء إلى 250 ليرة سورية بارتفاع 70 ليرة عن السعر الرسمي، في حين وصل سعر جرة الغاز إلى 3700 أو أكثر، حسب المنطقة، بارتفاع 1100 ليرة عن السعر الرسمي، في حين اختلفت عملية السمسرة على البنزين بين محطة وأخرى ، فبعض المحطات تبيع جزءاً من الكمية الواردة، وتخزن الباقي عبر التلاعب بالعدادات أو بالإمتناع عن البيع، بحجة انتهاء الكميات المخصصة، ليتم لاحقاً بيع المادة في السوق السوداء بالبيدونات، لمن لا يريد الانتظار على طابور السيارات.
ووصل سعر ليتر البنزين في السوق السوداء في بعض المحافظات، مثل حماة والسويداء وبعض القرى المحيطة، إلى 400 ليرة سورية أي أكثر من السعر الرسمي بـ 175 ليرة، والغريب بحسب تقارير صحف محلية رسمية، أن تجار السوق السوداء حولوا منازلهم إلى محطات وقود متنقلة لبيع المادة، أو استأجروا محلات خصيصاً لبيع المحروقات «السوداء».
تكرار الأزمات والحجج
ومؤخراً، تفاقمت أزمة البنزين في دمشق، كما كل فصل شتاء، وكانت الحجة الرسمية، هي: زيادة الطلب على المادة، وتعطل مصفاة بانياس، وتبدو هذه الحجج مكررة وغير مقنعة لكثير من المواطنين، خاصة وأن المشكلة تتكرر في كل عام، أي أنه بات على الحكومة أن تعي بعد 6 سنوات، بأن الطلب على المحروقات يزداد في الشتاء!
وأيضاً، تفاقمت مشكلة تأمين المازوت هذا العام كما كل عام، وبات تأمين المادة صعباً جداً دون السوق السوداء، حيث منعت الحكومة بيع البيدونات للمواطنين عبر محطات الوقود، وألزمتهم بشراء 200 لتر «بالدور»، بينما لا يستطيع كثير من المواطنون انتظار دورهم الذي قد لا يأتي حتى الصيف، دون تدفئة، وهناك آخرون غير قادرين على شراء 200 ليتر مازوت دفعة واحدة، وهنا يكون الحل، بالتوجه إلى السوق السوداء التي تتوفر بها المادة لكن المصدر دائماً «حكومي».
وكما هو حال البنزين والمازوت، أيضاً، تفاقمت خلال الأيام الأخيرة أزمة الغاز. وعلى الرغم من انقطاع المادة في السوق الرسمي، إلا أن تجار السوق السوداء يتوفر لديهم كل شيء، وهم منتشرون علناً في الأحياء، ويحصلون على المادة من الموزع الرسمي لها، لكنهم يمتنعون عن البيع إلا بالسعر الذي يريدون، أو يقومون بتجزئة البيع الحر، عبر تعبئة «الغاز الأرضي» التي تعود عليهم بأرباح أكبر، حيث تتم تعبئة «الغاز الأرضي الوسط» أو «الطباخ» بـ 2000 ليرة سورية، وجرة الغاز كافية لتعبئة «غازين ونصف» أي أن الجرة تباع بالمفرق بـ 5000 ليرة سورية.
الحكومة لا تريد الاعتراف
وغالباً ما يتم إلقاء اللوم على الأزمة والحصار الاقتصادي، عند أي تقصير، بحجة «عدم القدرة على استيراد المحروقات، وسط عدم كفاية الإنتاج المحلي»، علماً أن الحكومة قادرة على استيراد المادة عبر «الدول الصديقة»، وقادرة على اتباع خطط استراتيجية لتخزين المادة خلال فصل الصيف لتغطية زيادة الطلب في الشتاء، تماماً كما يفعل «تجار السوداء» لكن بغاية نبيلة.
ولم تملك الحكومة تصريحات وتبريرات جديدة، هذه المرة، كما لم تملك خططاً جديدة، فقد اعتادت على رتمٍ وواقعٍ معين كل فصل شتاء، وكأنها غير مستعدة لتغييرهما نهائياً، فعلى الرغم من استفحال أزمة المحروقات، إلا أنها وإلى اليوم لا تعترف بها، وتبرر ذلك بعبارة «لا يوجد نقص في المادة، وإنما زيادة في الطلب»، رغم أن المعادلة جداً بسيطة، وهي أن زيادة الطلب المتوقعة في فصل الشتاء وسط ثبات الإنتاج سببت نقصاً في المادة بالضرورة.
توجيه بخفض الإنتاج
ورغم نفي الحكومة «وجود نقص» في المحروقات، إلا أن تصريحات الإداريين كشفت تناقضاً، حيث أكد رئيس قسم الغاز بفرع «محروقات» باللاذقية أسامة عيسى، لإحدى الصحف المحلية: أن «نقص المادة في الأسواق يعود لتخفيض الإنتاج من 14 ألف أسطوانة إلى 8000 أسطوانة، وذلك نتيجة تعليمات واردة من الإدارة العامة في دمشق للتخفيض، ليس على مستوى المحافظة بل على مستوى القطر».
وفي خطوة غريبة، بدأت الحكومة تروج لزيادة الإنتاج رغم خفضه، حيث أكدت «محروقات» أنها زادت من إنتاج الغاز لتغطية زيادة الطلب، لكن إلى كمية أقل من الكمية التي كانت منتجة قبل تعميم خفيض الإنتاج، وفي مثال على ذلك أكد عيسى: أن «الإدارة العامة أوعزت لزيادة الإنتاج بمعدل 2000 أسطوانة، ليصبح الإنتاج اليومي الذي يوزع حالياً 10000 أسطوانة، وبالتالي زادت المخصصات».
وبدأت «محروقات» تتغنى بزيادة الإنتاج، علماً أنه هناك فاقد 4000 اسطوانة عن الإنتاج السابق على الأقل في اللاذقية وحدها، وكان من المفترض مضاعفة عدد الـ 14 ألف اسطوانة لتغطية زياة الطلب، دون اتباع الأسلوب السابق لإيهام المواطنين برفع الإنتاج.
نصف الحاجة غير مؤمنة
ومنذ بداية الحرب، هناك أزمة كبيرة جداً بكميات مادة المازوت وخصوصاً المخصصة منها للتدفئة، حيث تحصل دمشق على ما بين ثمانمئة ألف - مليون لتر من المادة يومياً، بينما تبلغ حاجتها في فصل الشتاء أكثر من مليوني ليتر، بينما تبلغ حصة تدفئة المواطن من المليون لتر المؤمنة 20% فقط، بينما تذهب الـ 80% من المخصصات للجهات العامة.
وتشير الشكاوى إلى وجود أفضلية لبعض موظفي الجهات الحكومية، في الحصول على المشتقات النفطية (غاز، مازوت - بنزين) بطريقة أو بأخرى، دون ضرورة الانتظار لأشهر كغيرهم من المواطنين، وأكدت بعض الشكاوى بأن «بعض موظفي الجهات العامة قاموا بتأمين الغاز ومازوت التدفئة لأقاربهم عن طريق مؤسساتهم ودوائرهم»، ويستطيعون بكل سهولة تأمين البنزين «بالبيدونات»، وهذا ما قد يشكل استنزافاً لمخصصات دمشق وريفها من هذه المواد، ويؤثر سلباً على طول فترة الانتظار لحصول المواطنين العاديين على المادة.