المستهلك باق فيزيولوجياً .. ويتساءل عن خندق الحكومة؟

المستهلك باق فيزيولوجياً .. ويتساءل عن خندق الحكومة؟

 

تكررت المشاهدات أمام بعض الحواجز، سيارات نقل صغيرة، (سوزكي – هوندا)، يتم إفراغ وتنزيل محتوياتها، (خضار – مواد غذائية أخرى – أدوات منزلية أو كهربائية..)، على الأرض، «بغاية تفتيشها، والتدقيق بمحتوياتها»، أو تعبر بهدوء وسلام إلى وجهتها، وتلك التعابير الكدرة، الظاهرة على ملامح السائقين، أو أصحاب تلك المحتويات، المنقولة.

هذا ما يتم على مستوى سيارات نقل البضائع الصغيرة، داخل المدن، فكيف هو الأمر، بالنسبة لسيارات الشحن الكبيرة، التي تنقل البضائع بين المحافظات، ودور بعض مكاتب النقل؟.


مستغلو الأزمة الجدد

لن نتحدث هنا عن سياسات التحرير الاقتصادي، وإعادة الهيكلة، وتحرير الأسعار و..، وتكريس سياسة العرض والطلب في تحديد الأسعار؛ وتأكيدنا على أهمية، التوجه الرسمي الحالي، بإعادة المركزية في تسعير بعض المواد، وخاصة الغذائية الأساسية منها.
بل سنفرد الحديث، عن مستغلي الأزمة الجدد، الذين فرضوا تكاليف إضافية، على أسعار السلع والخدمات، إضافة إلى التكاليف والهوامش، «المقوننة» أو المتعارف عليها، خلال نقل السلعة، بين حلقات الوساطة التجارية (التي فيها ما فيها سلفاً)، وصولاً الى المستهلك.
فعلى سبيل المثال، ما تم طرحه وعرضه، عدة مرات، من قبل التجار، عن دور مكاتب شحن البضائع بين المحافظات، والأسعار المرتفعة التي تتقاضاها، لقاء نقل البضائع. 
والمبرر بأن التكاليف عالية وسعر المازوت مرتفع، والطرق غير آمنة وصعبة، و يدفعون للحواجز لكي يمروا بسلام ودون تفتيش، ودوريات الجمارك على الطرق وعملية الابتزاز، وأسعار الدواليب والقطع والزيت مرتفعة، ومرتبطة بالدولار، والمازوت من السوق السوداء، وأجور العمال والسائقين المرتفعة.


هوامش غير مشروعة

يقول أحد التجار، إن تلك التكاليف الإضافية، تصل إلى أكثر من 20%، فإذا كانت السلعة المعنية هامش ربحها 15% لتصل للمستهلك في نهاية الأمر، فإن ذلك يعني، إما أن يستغني تاجر المفرق عن تلك النسبة، وبالتالي يكون بدأ يخسر رأسماله الـ 5% المتبقية، وهو أمر لن يتم، أو يزيدها على السعر، وبالتالي تصبح السلعة محملة تلك النسبة، مما يؤدي إلى زيادة في السعر، الذي يتكبده المستهلك في نهاية المطاف، كون حلقات الوساطة التجارية الأخرى لن تستغني عن هوامشها، أو تخفضها، وإلا فإن تاجر الجملة أو المستورد، لن يورد تلك السلع، إلى بائع المفرق.
وهنا نتحدث عن سلعة تمر بحلقة وسيط تجاري واحد، أما إذا كانت ستمر بأكثر من وسيط، فإن تلك النسبة تتضاعف، حسب تعداد حلقات الوساطة التجارية، (منتج أو مستورد، تاجر جملة، تاجر نصف جملة، تاجر مفرق)، وهكذا.


بائع المفرق في الواجهة

مثالاً على ذلك، في مطلع العام، حددت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بقرار، هوامش الربح، على مساحيق التنظيف، كالتالي: في حال الإنتاج المحلي، 12% للمنتج ولتاجر الجملة، و 10% لبائع المفرق. 
أي أن المستهلك سيتكبد 34% هامش مقونن + 40% هامش غير مشروع = 74% في نهاية الأمر.
مثال آخر، معلبات الكونسروة «خضار وفواكه» قد حدد القرار نسبة الربح في حال الإنتاج المحلي 10% للمنتج من تكاليف الإنتاج و 6% لبائع الجملة و 10% لبائع المفرق. 
أي 26% هامش مقونن + 40%هامش غير مشروع = 66%.
وأشار القرار، إلى أنه يتوجب الإعلان عن بطاقة البيان، والالتزام بالمواصفة القياسية السورية، تحت طائلة تنظيم الضبط اللازم بحق المخالف، عملا بأحكام القرارات والقوانين الناظمة لذلك.
بالإضافة إلى وجوب تداول الفواتير النظامية، متضمنة السعر للحلقات التجارية لجميعها، والصفة التجارية للبيع، ومحملاً المسؤولية الكاملة لبائع المفرق، في حال عدم الاحتفاظ بالفاتورة.
علماً أن الصكوك السعرية يتم إصدارها من الجهات المخولة بالتسعير، (الوزارة مركزياً للسلع الأساسية – مديريات التجارة الداخلية وحماية المستهلك في المحافظات للسلع الأخرى، سواءً المنتجة محلياً أو المستوردة).


حلقة طفيلية مضافة

وبحسبة بسيطة، نستخلص أن بعض السلع، قد يصل الهامش المضاف، غير المشروع، إلى 100%، على قيمتها. وإذا أضفنا إليها الجشع والاستغلال والاحتكار، ومبررات سعر الصرف سابقة الذكر، التي تتهرب بسببها، حلقات الوساطة التجارية، من تداول الفواتير، التي تحدد سعر المبيع للمستهلك، بنهاية المطاف، نصبح عملياً أمام فوضى السوق الذي نعيشه يومياً، ويصبح بائع المفرق، كمسؤولية أمام المستهلك، والجهات الرقابية، «بحال القيام بدورها»، ويتم تغييب دور وفاعلية حيتان الاقتصاد، ومافيا الفساد، وتجار الأزمة الجدد، من واجهة المحاسبة والحساب.
وبالنتيجة، وفي الظرف الراهن، برزت حلقة وسيطة مضافة، إلى حلقات الوساطة التجارية، المتعارف عليها، بالهامش المستقطع لحسابها، مستفيدة من الأزمة، ونشأة على أطرافها، طفيلية على الاستثمار الرأسمالي، وتماثله بالعائدات، ولكنها بعيدة عن المخاطر، التي يمكن أن يتعرض لها، وبالتالي فهي رابحة دوماً، وعلى حساب المواطن في نهاية الأمر، ولا أحد لديه معلومات عن مقدار الثروة التي يتم جنيها يومياً، وسنوياً، على حسابنا، وعلى حساب الاقتصاد الوطني، من قبل هؤلاء، خلال أزمتنا الراهنة، ونتساءل عن دور تلك الحلقة المضافة في استمرار الأزمة، لارتباط مصالحها، باستمرارها؟.


واقع راهن

بالعودة الى نشرة الأسعار الصادرة عن مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك بدمشق رقم 51 تاريخ 21/9/2015 فقد حددت سعر صحن البيض بين 550 ل.س و725 ل.س، حسب الوزن، ولكن عملياً في السوق وصل سعر صحن البيض إلى 900 ل.س، والمواطن لا يستطيع تقدير الوزن. وسعر كستا الفروج في النشرة 825 ل.س ، وفي السوق وصل سعرها إلى 1000 ل.س.
وفي النشرة رقم 62 تاريخ 22/9/2015، تم تحديد سعر البندورة من 65 ل.س وحتى 110 ل.س حسب النوع والصنف، وفي السوق وصل سعرها إلى 150 ل.س، وسعر البطاطا من 95 ل.س وحتى 135 ل.س حسب النوع، وفي السوق وصل سعر البطاطا إلى 160 ل.س، أما سعر الخيار فقد كان في النشرة من 85 ل.س وحتى 230 ل.س، وفي السوق تراوح سعره بين 125 ل.س و300 ل.س.
علماً أن تلك النشرات، تصدر بعد احتساب التكلفة، وتعد الأسعار الواردة فيها، هي الحد الأعلى للسعر، الذي يمكن أن يتقاضاه بائع المفرق، الذي يعاني أيضاً، من ارتفاع تكاليفه، بسبب أجور النقل داخل المدينة، والحواجز وغيرها.
ناهيك عن الارتفاع الجنوني للأسعار، في يوم وقفة عيد الأضحى المبارك، وندرة بعض السلع في السوق، وخاصة الفروج والبيض والخضار، الأمر الذي عزز هذا الارتفاع وبرره.


المستهلك .. فريسة!

ولا مناص في نهاية الأمر، أن المستهلك، بات فريسة سهلة المنال، من أجل تأمين حاجاته الاستهلاكية، المتناقصة يوماً بعد آخر، لتستقر على الحد الأدنى الأساسي، لبقائه كائناً فيزيولوجياً.


حكومة بالعسل

مع تأكيدنا، على أهمية التدقيق والتفتيش، بغايات السلامة الأمنية، للوطن والمواطن، ولكن نؤكد أيضاً، أن هذه المهمة، وهي فقط، ما يجب أن تكون مراقبة ومقوننة دون أن تكون مجالاً للابتزاز، مع أهمية المرونة، وحسن التعامل، مع المواطنين، خاصة وأن تلك المهمة، ليست مرتبطة بالوضع الراهن فقط، بل هي واجب، كان وسيبقى، مسؤولية الدولة بمؤسساتها، وجهاتها المخولة والمناط بها تلك المهمة.

نتساءل: 

متى ستوضع تلك الآليات، والسياسات (الاقتصادية والمالية والسعرية والأجرية)، التي تضبط تجار الأزمات، بحلقاتها وأدوارها المتعددة، وناهبي قوت الشعب، وسارقي الثروات، ومخربي الاقتصاد؟ 
حيث ثبت، أن الحلول الترقيعية، لا ترقى إلى تحسين الواقع المعيشي المتردي للمواطن، بل إن أغلبها، حتى الآن، يتم من خلال زيادة إفراغ جيوبه، وعلى حساب معدته وبقائه، إضافة لصعوبات هذا البقاء، بظل واقع الموت اليومي، الذي يتربص به هنا وهناك.
ومتى سيشعر المواطن أن الحكومة في خندقه، وليس في خندق هؤلاء الفاسدين؟ 
بعيداً عن المبررات والمسوغات التي سئمها المواطن، والمتمثلة بالوضع الأمني والسياسي، والحصار الاقتصادي الجائر، وما إلى ذلك من أسباب، يعلمها ويعيشها، ويدفع ضريبتها وحيداً واحداً، وحكومته بالعسل!؟.