نساء سورية... وطنٌ آخر يغتصب
اختبرت المرأة السورية خلال الأزمة، بالقتل والإصابة والإعاقة والتعذيب والتفكك الاجتماعي والاقتصادي، إضافة للتأثير النفسي وهي تشاهد أفراد عائلتها يقتلون أو يتعرضون للتعذيب أو التهديد، وآثار ذلك كله قبل وأثناء وبعد الهروب من مناطق القتال ودوائر العنف.
في مخيمات العار!
وطأة اللجوء لم تكن بأقل من الرعب الذي حل وراءهن، حيث زادها التواجد ضمن مخيمات تفتقر إلى أدنى الشروط الإنسانية، ناهيك عن الابتزاز والعنف والاغتصاب المنظم والزواج القسري، والتي تنضوي جميعاً تحت بند الاعتداء الجنسي، الذي اعتبر من أشد أنواع العنف بحسب «الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة».
انتشرت عصابات البغاء في مخيمات اللجوء – وهي حالة ملازمة للحروب - في دول الجوار مستغلين سوء الأوضاع الاقتصادية وظروف تلك النسوة الاجتماعية، حيث يقدمن للزبائن الخليجيين بعقود «عرفية مختلفة» ضمن مسميات لا يعترف بها الشرع، ولكن يستغل جهل ذويهن بقانونيتها وأبعادها تحت حجة «السترة» وأوضاعهم الاقتصادية، لينقلن إلى جهات مجهولة لا يستطيع معها الأهل معرفة مصير بناتهم، وقد يمنعون من السؤال عنهم، وكل ذلك أمام أنظار المسؤولين في تلك الدول إن لم نقل بتيسير منهم وخاصة في الأردن وتركيا، دون وجود جهات تدافع عنهن أو يلجأن لها، في وقت استحالت معه العودة، وتباعدت الدروب إلى قراهن، إما بسبب الأعمال المسلحة، أو بسبب التخويف الذي يمارس من قبل القائمين على تلك المخيمات وخاصة أن نسبة منهن زوجات لمسلحين.
ما يضع هذه المخيمات المذلة إنسانياً وأخلاقياً والمسؤولين عنها والدول الحاضنة لها، تحت المساءلة القانونية عن التبعات الاجتماعية والقانونية، لما نتج عن هذه الممارسات المخزية فيها وما أحدثته من أذى نفسي وجسدي واجتماعي مباشر أو غير مباشر على هؤلاء النسوة، وهي فضائح لحقت مخيمات اللجوء الأوربية في الآونة الأخيرة وفق تقارير بدأت تلوح وخاصة مخيم HEAE «جيسين» في ألمانيا.
دولة الرعب
حيث ما أمتد تنظيم داعش الإرهابي كان الاضطهاد ضد المرأة يأخذ مستويات أكثر عنفاً، فقد اعتمد التنظيم في فرض سيطرته على أكثر أشكال العنف صدماً للمجتمع، من خلال إشاعة الرعب بالذبح والقتل من جهة وإخضاع النساء «لقوانين شرعية» صارمة من ناحية اللباس ومنع تنقلهن دون ولي، ومنع التعليم، وافتتاح مجالس لبث الفكر المتطرف، وإجبارهن على الخضوع لتلك الدورات، ليمتد ذلك إلى تسيير مجموعات نسائية مهمتها ضبط التجاوزات وصيد «الفرائس» من النساء والفتيات لتزويجهن «للمجاهدين».
الزواج كان أحد أشكال توريط الأسر في ممارسات هذا التنظيم ومحاولة تشكيل بيئة حاضنة له في مواقع سيطرته العسكرية، مستغلين الواقع الاقتصادي، لتتنوع أسباب قبول ذوي الفتيات بين البحث عن السلطة والهيبة، أو الخوف من انتقام التنظيم، أو الخشية من الاغتصاب وما سيجره من عار يصير أمامه الزواج أهون الشرين.
أما في «مناطق الفتح» مورست أبشع أساليب التهجير والاضطهاد ضد نساء مجموعات سكانية محددة« دينية ، طائفية» على وجه الخصوص من خطف وسبي بأقبح أشكاله، ليتم عرض النساء وبيعهن في أسواق نخاسة حيث تراوحت أسعارهن بين 165-40$ - ويقل السعر كلما ازداد العمر- لأمراء التنظيم وجنوده، أو يتم ابتزاز أسرهن بمبالغ خيالية كفدية لتحريرهن، وهو ما وصف باستعادة لتجارة الرقيق كنظام اجتماعي ضمن أسواق نخاسة بأبشع صورها وبشكل ممنهج ومنظم وممارسات معلنة، توظف لصالح مشاريع سياسية دولية...
عمالة قذرة
ما بين مخيمات الذل ودولة الرعب، عانت المرأة من ممارسات وحشية أصابتها بأذيات جسيمة استحالت معها أية معالجة، أما من نجت من مخيمات اللجوء فتعرضت إلى ممارسات لا تقل شناعة، فالظروف الاقتصادية السيئة وغياب المعيل - بسبب القتل أو التهجير أو العجز- أجبر العديد من تلك النسوة على العمل في دول اللجوء بأجور زهيدة لتأمين قوتهن، وكثر من تعرضن إلى مواقف مذلة ومشينة، ويضطررن معها إلى الصمت للحفاظ على مصدر الرزق الوحيد المتوفر وإلا سيجدن أنفسهن وأسرهن في قارعة الطريق، كـ عائشة التي فرت من إحدى قرى ريف حلب، تقول والدتها:
«إن صاحب العمل الذي تعمل عنده تحرش بها أكثر من مرة عارضاً عليها المال لكن أمام رفضها المتكرر قام بكسر باب غرفتها ليلاً واغتصابها»
وهي واحدة من عشرات الحالات التي انتهكت أعراضهن وتحولن إلى أرقام في التقارير الدولية والأممية، دون وجود قرارات ملزمة لإنقاذهن من ويلات ما يعشنه من جحيم بسبب العنف الدائر في البلاد.
مجتمع بلون واحد
ازدياد الخسائر في أرواح المدنيين، وارتفاع أعداد المفقودين، أدى إلى ارتفاع نسبة الأرامل، والأمهات الوحيدات، ما أثر على حياتهن وعلى المجتمع عموماً، ما أفضى إلى تغير الأدوار الاجتماعية والاقتصادية للنساء في البيت والمجتمع المحلي، كما غير من بنية الأسرة ونال من أمانهن وهويتهن، وساهم في التفكك الأسري، وأجبرهن على العمل في التسول والدعارة، والقيام بأعمال شاقة، ودخولهن مجالات عمل لم يسبق لهن تجربتها، نتيجة فقدان المعيل، ومن جهة أخرى قلة فرص الزواج وازدياد العنوسة بسبب ارتفاع عدد المهاجرين من الرجال والشباب، ما يهدد التركيبة السكانية ويحولها إلى مجتمع من لون واحد.
أيضاً هذه الظروف سجلت تراجعاً في فرص المرأة في اكتساب مراكز اقتصادية واجتماعية، نتيجة الحرمان من التعليم في المناطق المسيطر عليها من قبل المسلحين والمتشددين، وحتى في المناطق الآمنة فتدهور الوضع الاقتصادي وأدى إلى عزوف العديد من العائلات عن إرسال بناتهن للتعلم وتفضيل تزويجهن مبكراً.
لم تنجو المرأة السورية في المناطق كافة من صنوف القهر المختلفة ، فهي التي فقدت الزوج أو الابن أو الأخ، ومنهنّ من قضىت سنوات الأزمة انتظاراً لمعتقل وعاد مجرد هوية، ومنهنّ من تنتظر بعد، دون أن تعرف شيئاً عن غائب من الأحبة، ومنهنّ من فقدت أثاث بيتها التي جمعته قطعة قطعة تعفيشاً أو سرقة، ومنهنّ من تعرضن للابتزاز على بعض الحواجز لمجرد أنهنّ من سكان هذه المنطقة أو تلك، ومنهنّ من تعجز عن تأمين أية فرصة عمل لإطعام أفواه الأطفال الجائعين، أو مأوى لهم، ومنهن من تعيش رعباً على محاصر في هذا الموقع أو ذاك من العسكريين المحاصرين، ناهيك عمن استشهد زوجها أو أخوها أو ابنها، او من تتابع الشاشات وأخبار مناطق الحرب قلقاً على أحد أفراد أسرتها فيها..
في الوقت الذي تراكم فيه السوريون صوراً على شاشات التلفاز، وأرقاماً في التقارير الأممية هنا وهناك، أصبحت معاناة السوريات أوراقاً للضغط، ويتم استغلالها سياسياً للتحكم بالرأي العام دون أن يوظف ذلك كله من قبل هؤلاء للبحث عن مخارج من هذا الوضع الكارثي...
الآثار الاجتماعية لمثل هذه الأزمات تظهر عادة في مراحل لاحقة، إذ تترك آثاراً مديدة قد تستمر على مدى جيل أو جيلين، ليبقى الرهان على حيوية المجتمع السوري، والمرأة السورية تحديداً، لتكون كعادتها مبدعة ومشاركة في الحلول التي تطرق الباب لإيقاف الكارثة، لعلها تسرع في الحل وهي التي كانت تدفع الثمن الأكبر.