موسم ابتزاز الفرح
حكماً سيذهب الأولاد إلى الأراجيح، وسيبحثون عن ساحات عيدهم، وسيطلبون ملابس جديدة لليوم الأول من العيد، وسيدورون على بيوت الأقارب طمعاً بقبلة ساخنة، وعيدية تساعدهم على اللعب على مدى ثلاثة أيام هي لهم فقط.
أينما كانوا هم يفكرون بالطريقة نفسها، ولن يعنيهم شكل الأرض هل احترقت أم ما زالت نضرة خضراء، ولن يهتموا بجيوب الآباء إن كانت فارغة أم أنها امتلأت قبل قليل بزكاة الفطر، أم من ديون سريعة لقضاء عطلة العيد بين أبناء ضاقت عليهم الحياة في زمن الحرب، وضاقت على أهلهم حتى فاضت الدموع.
وسط كل هذا العناء السوري، هناك من يفكر بالعيد كموسم ابتزاز، وهؤلاء لا يبحثون فيما آلت إليه أوضاع الناس، ولا يكترثون كيف تدبروا ما يفرح صغارهم، ولا كيف تذللوا لقضاء أيام قليلة تحتاج إلى راتب شهرين تكلفة وغصات.
الأيام الأخيرة التي تسبق العيد هي أيامهم، وهي الأيام الأكثر إيلاماً لمواطن يجر طفله الباكي، بينما الأم تحاول إيجاد المبررات التي تقنع الطفل بأن ينتقي هدية أخرى أو (بنطالاً) أقل سعراً، وهكذا من محل لآخر حتى يجد الأب ضالته في بسطة فقيرة على هيئة محل تجاري تصلح لما تحويه جيوبه المثقوبة.
لن يغامر الأب بأخذ عائلته بكاملها إلى الصالحية أو الحمراء، ولن ينساق خلف دعوات (الشقيعة) في الحميدية للصعود إلى المحل العلوي، فهناك كما يقول الولد - الذي يغري الزوجة وأطفالها- البضاعة الأفضل، وسيسحب الأب يد ابنه الصغير بقوة، وتبتسم الأم بخجل لبناتها اليافعات وتقنعهن بأن هناك ما هو أفضل إلى أن يأتي الفرج على أبواب سوق الحميدية حيث يبيع الفقير للفقير ملابس صالحة لهكذا موسم.
الأسواق تغلي بأسعار خرافية، وبضائع صنعت لتعويض موسم عام بأكمله، والتجار الذين يعرفون من أين تؤكل الكتف، سيأكلون المواطن مع أمواله الشحيحة، وكذلك محال الحلويات والقهوة وحتى أولئك الذين يحولون لك رصيد الجوال سيستغلونك بداعي العيد والعيدية.
كل عام والفرح الغائب عن قلوب السوريين منذور للعودة، ومواسم الابتزاز قبل أن تضع الحكومات لها حلولاً علينا أن نخلعها من قلوبنا التي لم تعد تتسع لكل هذا الشقاء.
كونوا بخير...