هل تمزح الحكومة... أحياناً؟

هل تمزح الحكومة... أحياناً؟

 

ليست هي المرة الأولى التي تطلق فيها الحكومة عبر وزرائها ومديري مؤسساتها عبارات التهديد والوعيد ضد المخالفين وتحديداً في القطاع الخاص، على اعتبار أنه كما يقال أكثر فساداً من سواه، ولطالما استخدم هؤلاء المهددون عبارات مثل (الضرب بيد من حديد) للتعبير عن مدى الجدية في التعامل مع هذه الشريحة الواسعة من الفاسدين، الذين باتوا يشكلون عامل تخريب في اقتصاد الوطن، وعامل نهب لأبنائه الفقراء الذين باتوا على شفير ما بعد الفقر.

عادة... الحكومات لا تمزح في هكذا حالات، وخصوصاً عندما يشكل هذا الفساد عاملاً كبيراً في إنهاك اقتصادها، وفي إضعاف ثقة المواطن بها كقوة قادرة على حمايته وتحسين حياته المعيشية، وهي بالتالي ستنفذ وعيدها وتعيد الأمور إلى نصابها في حفظ اقتصادها وصون حق المواطن الذي ترعى مصالحه.

قريباً... لن يجرؤ أي سائق واسطة نقل خاصة على أن يطلب زيادة عن تعرفته المخصصة، وسيلتزم سائقو التكسي بعداداتهم، ولن تضطر كمواطن لإجراء مفاوضات شاقة معه من أجل أن يقلك بسعر مقبول وفيه ربح له، ولن ينظر إليك بازدراء عندما تطلب منه أن يوصلك إلى مكان لا يمكن أن يستفيد منه أكثر، ولن يبادرك بالحجج والأعذار التي ستعترض سيره كي يتسنى له أن يطلب ما يشاء وتدفع بصمت ما يشاء.

قريباً جداً... سيقف لك سائقي باصات الشركات الخاصة ويطلبون منك باحترام أن تصعد، ولن تصدق أنه يعيد لك بقية الخمسين ليرة المهترئة، وترتجف يدك لتناولها غير مصدق لما يحدث فيبتسم في وجهك طويلاً، ويشكرك لأنك تركب معه فأنت المواطن ... أم نسيت في غمرة دهشتك أنك المواطن الذي طالما تعلقت ببابه، وجاء يوم انصافك على يد الحكومة التي هددت ونفذت، ووعدت ففعلت.

 الحكومة في اجتماعها الأخير وعدت أنها لن تسمح لهذا الفساد بأن يستشري، وخصوصاً شركات النقل الخاصة التي باتت مترفعة على كل القوانين والقرارات، ويبدو أنها أي الحكومة جادة أكثر من أي وقت آخر في حسم هذا الأمر، الذي بات يهدد العلاقة بينها وبين المواطن، ولكنها نسيت في غفلة نشوة وعيدها أن النقل قد يكون رغم معاناة المواطن معه هو أقل ما يزعجه، وأن هناك ملفات يجب أن لا تنساها الحكومة في عز نشوتها، كالغلاء والاحتكار والسوق المضطربة، و أن المواطن يئن من ويلاتها، وأنها يجب أن لا تمزح في قضاياه المصيرية في قضايا تتعلق بلقمة أبنائه، واستمرارية وجوده على قيد (الشبع).