عقلية الأرصفة

عقلية الأرصفة

 

رئيس أحد المجالس المحلية السابقين وهو متشدق كبير، ويحب الوطن سراً وعلانية، ويتهم زملاءه في المكتب التنفيذي ومجلس المدينة دائماً بالتقصير وتغليب الشأن الشخصي، والنفع الذاتي على مصلحة الجماهير والوطن...هذا المتشدق كانت أولى اختلاساته من مشروع إعادة رصف الشوارع في مدينته، وتم خلالها منح العقد لمتعهد لص، وتقاسم الطرفان الغنيمة من خلال تزوير مواصفات البلاط.

ولماذا الأرصفة واستبدالها؟ هي مهنة لصوص البلديات الذين على مدار عقود يرون فيها أكثر المشاريع التي تدر ربحاً كبيراً، وأن لا أحد يسأل في أمر يتعلق بتجميل المدينة، ولذلك كان أول مشاريع أي قادم إلى البلدية هو مشروع الرصفة لكي يقدمها كمنجز مرئي، ويتحدث فيه المواطن، ويبدأ بالإطراء على هذا القادم الذي يهتم بجال المدينة وبشوارعها.

البعض أبدع في استثمار هذه المشاريع، فصنع ممرات لعبور عربات بالأطفال التي تجرها الأمهات، وكذلك ممرات للمعاقين وكبار السن، وهذا ما يعود عليه بإضافات جديدة على المشروع، وأيضاً أدعية يعتقد أنها ستحميه من عذاب القبر، وهؤلاء عادة لا يكترثون بحساب الدنيا لأن لا أحد يحاسب.
ومنذ ما يقرب من أكثر من أسبوع بدت علامات عودة هذه السمفونية الخالدة، وهذا التقليد الذي يثير الارتياب في مشاريع مشابهة لما مضى، وقد يبرر البعض قيام هذه المشاريع بإعادة ألألق لشوارع المدن البائسة، ولكن ما يجعل اللبيب مجنوناً أننا نعيش أسوأ أوضاعنا الاقتصادية، ولدينا من الأولويات ما يتجاوز الجمال.
هذه البلديات ليس لديها ميزانيات تسمح بإطلاق مشاريع من هذا النوع، وما يمكن تأمينه من سيولة نقدية يجب أن يكون مكانها في الخبز والدواء ومساعدة المحتاجين، وهم كثر ممن تضرروا من الأحداث الدامية.
بالنتيجة أيتها المجالس المحلية والبلديات الكريمة: قليلاً من الرفق بهذا الوطن الذي هو بأمس الحاجة إلى كل قرش يمكن أن يبذرّ أو يدخل جيوبكم من الخلف، والانتهاكات التي كانت جنحاً فيما مضى من اختلاس وسرقات، يجب أن تكون اليوم في حساب الجرائم الكبرى، والأيدي التي توقع وتسرق وتنهب وتحتال يمكن أن لا تكون يداً تصافح، أو تلقي السلام..
والسلام؟.