المشفى الوطني في اللاذقية.. هل من (عناية مشددة) لتشفيه؟!
منذ مدة نقلتُ والدي العجوز إلى المشفى الوطني في اللاذقية بقصد العلاج إثر غيبوبة مفاجئة ألمّت به. ولدى وصولنا إلى قسم الإسعاف وإجراء الفحوصات الأولية تبين أنه يشتبه إصابته بجلطة دماغية والأمر يحتاج إلى تصوير طبقي محوري. وعلينا الاختيار بين أمرين، إما الذهاب إلى عيادة خاصة ودفع مبلغ عشرة آلاف ليرة، أو التوجه إلى مشفى الأسد الجامعي والحصول على موافقة من أجل التصوير، فالجهاز لدى المشفى الوطني معطّل!
طبعاً وكأغلبية سكان الوطن نفضّل المجّانية في هذه الحالة. هرعنا إلى مشفى الأسد لنفاجأ بأن الفنيين المكلفين بالعمل على الجهاز (معيّدون) فاليوم عيد المرأة العالمي. وكذلك الطبيب المشرف على قسم الأشعة أيضاً (معيّد) وما حدا أحسن من حدا..
وبعد اتصالات مكثفة مع مدير المشفى بوساطة سكرتيرته استطعنا تحقيق مبتغانا، وتم إحضار أحد المناوبين والتصوير. وجاء الدور علينا بأن نقوم بتصوير الفيلم الخاص بوالدي من على شاشة الكمبيوتر عبر الموبايل، فالجهاز الطبقي لدى هذا المشفى ليس سليماً تماماَ، فالطابعة معطلة وكذلك الأمر قسم (السيديات).
بعد عودتنا إلى المشفى الوطني وقد غنمنا عدم تكبّدنا الخسارة المالية التي كانت تتربّص بنا. نقلنا مريضنا إلى جناح الداخلية – شعبة العصبية في الطابق الرابع وطبعاً ليس بالنقالة كما يقتضي وضعه الصحّي بل على كرسي متحرك، فالمصعد الخاص بالمرضى كالعادة معطّل.
لن أسترسل بتفاصيل وضع والدي الصحي الذي وافته المنية بعد سبعة أيام من رحلته المريرة في المشفى الوطني. لكنني سوف أسجّل مشاهداتي وانطباعاتي بعد سلسلة لقاءات أجريتها مع العاملين فيه وإليكم الحصيلة:
قسم الإسعاف يحتاج إلى إسعاف!
تروي الممرضة ي.س – قسم الإسعاف في المشفى الوطني عن واقع المشفى مايلي: الحقيقة لا أدري من أين أبدأ؟ هل يعقل مثلاً أن يكون الهاتف الأرضي في العناية الإسعافية معطلاً منذ أكثر من شهرين؟! وما المانع أصلاً من وجود شبكة لاسلكية بين أقسام المشفى؟
وهل يجوز لطلاب كلية الطب (سنة أولى أو ثانية) دخولهم غرفة العناية المشددة لمعالجة المرضى، وهم بالكاد يعرفون ألف باء هذه المهنة الصعبة؟ وكما ترى كل من يرغب من الزوار بالدخول إلى هذه الغرفة غير المحصّنة يمكنه ذلك، وخاصةً إذا كان يرتدي بدلة مموّهة. ناهيك على أن هذه الغرفة وكما هو معلوم، يحظّر حتى على الأطباء والممرضات من دخولها مالم يرتدوا قفازات وكمامات وما إلى ذلك، بغية المحافظة على التعقيم الذي لا وجود له بالأصل!!
ثم أليس من الضروري إحداث مخبر مصغّر، وكذلك الأمر صيدلية مصغّرة في قسم الإسعاف خدمةً للمرضى وللممرّضين؟ إذ من غير المعقول أن يكون المخبر بعيداً عن قسم الإسعاف كل هذه المسافة. وعلى سيرة البعد، هل يعقل أن تخلو العناية الإسعافية والعمليات الإسعافية والإسعاف الداخلي من دورة مياه؟ وعلى من يحتاج إلى ذلك عليه أن يهرع بعيداً إلى كتلة أخرى من بناء المشفى؟
(العصبية) والصراصير.. ومكافئات لمن لاعمل؟!
الممرّضة و.ح – قسم العناية العصبية تقول: أولاً: عددنا قليل، يصيبنا الهمّ إذا فكّرت إحدانا بإجازة. ونقترح لحلّ هذه المشكلة إما إبرام عقود عمل مع الممرّضين الباحثين عن فرصة عمل، أو نقل الممرضات المفروزات بالوساطة إلى المراكز الصحية والمستوصفات في المناطق والأرياف، واللواتي بعضهنّ خريجات حديثات ومن المبكر عليهنّ أن يقعدن مرتاحات. لا وجود للأتمتة (كمبيوتر) لأرشفة وتسجيل الوقائع والتقارير اليومية عن المرضى، وكما ترى فقد أصبحنا أصدقاء للصراصير بعد أن اعتدنا عليهم (ملاحظة: كانت الصراصير تسرح وتمرح على كيفها في جميع الأقسام). ونطالب أيضاً بمنحنا لباس عمل (مريول وحذاء) مرتين سنوياً، فقد مضى أكثر من خمس سنوات ونحن نشتريها على حسابنا.
الممرّضة ح.س: لدينا شعار معمول به تاريخياً (المكافآت لمن لا يعمل)، التدفئة ساعتان ليلاً فقط ، المراوح معطلة صيفاً، تعويض طبيعة العمل (600) ليرة فقط، لا وجود لخزائن خاصة للممرضات لوضع أغراضهنّ الشخصية، لا بدلات عن أجور النقل الباهظة التي نتكبّدها بعد رفع الدعم عن المشتقات النفطية، لا وجبة غذائية للمناوبات (16) ساعة في اليوم، لا جمعية سكنية للممرّضات، النقابات لا علاقة لها بنا والأمرّ من ذلك، أن عيد الممرضات يصادف في يوم عيد الآيدز العالمي. يا للهول! وختمت حديثها قائلة: يا أخي على الأقلّ عندما نتوفّى نتمنى أن يتكرّموا علينا وينقلوننا بسيارة إسعاف إلى مثوانا الأخير وقد زُيِّنت السيارة بإكليل من الورد باسم المشفى عرفاناً بخدماتنا.
9 آلاف ليرة فقط راتب شهري بعد الزيادة؟!
بدورها تقول المستخدمة أم راتب – عاملة تنظيف: أعمل في شركة (يارا) الخاصة للنظافة المتعاقدة مع المشفى منذ سنوات. راتبي الشهري بعد الزيادة (9500) ليرة. غير مشتركة بالتأمينات الاجتماعية. ولا يوجد لدينا نقابة تدافع عن حقوقنا. تخيّل، عطلتي الأسبوعية يوم واحد كل (15) يوماً! ولا يحق لي إجازه سنوية. معاناتي إلى جانب راتبي الهزيل هي النظرة الدونية لي من قبل المجتمع. بالإضافة إلى عدم تعاون ذوي المرضى معي بالحفاظ على النظافة. وللأمانة، بعضهم الآخر (يكتّر خيرون) يتحنّن عليّ لقاء خدماتي.. المهم أننا لا نشحذ ونأكل لقمتنا الحلال بعرق جبيننا.
أخيراً نقول: هذا غيض من فيض، وكما يقول الشاعر (من رأى السمّ لا يشقى كمن شربَ) لا أعتقد أن ثمة شخص دخل إلى هذا الذي كان يوماً صرحاً عظيماً، إلا وخرج منه وقد استبدّ به الغمّ والأسى على ما آل إليه. فهل نعيد الرضا والانشراح والامتنان إلى أبناء هذه المحافظة وضيوفها الحزانى؟
مرافقوا المرضى في المشفى الوطني لقاسيون: المرافق مشروع مريض!
يقول محمد.ش وهو مرافق مريض (مهجّر): نقدّر عالياً الخدمات الجليلة التي يقدّمها المشفى لأبناء المحافظة وللوافدين إليها بسبب الأزمة. لكنني صُدِمتُ بالواقع المرير؛ انظر بالله عليك، هل يعقل أن يكون قفص مستوعبات الشراشف والحرامات الملوّثة والمُعَدّة للغسيل في المطبخ المخصص لإطعام المرضى؟! هل يعقل أن نستخدم عبوات المياه المعدنية (قناني الدريكيش) كـ«مبولة» للمرضى؟! تصوّر، لا يوجد سوى زحّافة واحدة (مبولة) في كل جناح، تنتقل من مريض إلى آخر وهذا يشكّل خطورة لما يسبّبه ذلك من انتقال للجراثيم والأمراض المعدية. أين الغضاضة لو فكّرت إدارة المشفى بوجود غاز للطبخ من أجل تسخين الطعام للمرضى؟ لماذا لا يتوفّر تواليت متنقل في كل غرفة؟
أما سهير.ر وهي مرافقة مريضة أخرى تقول: الخدمات في المشفى متردّية ويزداد تردّيها يوماً بعد آخر؛ أعمدة السيرومات غير كافية وهي منزوعة وصدئة، نثبّتها أحياناً بوسائلنا الخاصة. أثاث الغرف بالٍ، أغلب (الكومدينات) قواعدها مثبتة بالحجارة. الحيطان مقشّرة الدهان، وبعضها يرشح الماء منها. أنابيب الأوكسجين غير متوفرة في غرف إسعاف المرضى عند اللزوم. النظافة في حدّها الأدنى، سلّات المهملات مكشوفة ويفترض أن تكون مغلقة وتفرّغ كل ساعة. لا حرص لخصوصية المريض أبداً، ماذا لو سُيِّجَ كل سرير بستائر تغلق وتفتح عند المقتضى؟ الكثير من الأدوية التي يحتاجها المريض غير متوفرة ويتوجّب على ذويه شراءها. يجب الاهتمام بتعقيم الغرف يومياً لمكافحة الجراثيم والحشرات التي أذهلني تواجدها وانتشارها في كل مكان!
يصارحناعبد الحميد.ت وهو مرافق مريض آخر بقوله: صدّقني أن مرافق المريض هو مشروع مريض عملياً. إذ لا يوجد مكان لائق للراحة إطلاقاً. أغلب الوقت أقضيه واقفاً. الكراسي داخل الغرف غير كافية وغير مريحة. وكذلك الأمر المقاعد في البهو المخصص لاستراحة المرافقين، يوجد مقعدان فقط، ويفضَّل إحالتهما على المعاش. الكثير من اللمبات معطّلة. وكذلك صنابير المياه. الكافتيريا الموجودة في المشفى أسعارها سوبر سياحية، وتحقق بنهبها وتشليحها أرباحاً طائلة. لا تقيّد بمواعيد الزيارة رغم كثرة الإعلانات حول ذلك. والأنكى من هذا كله أنه وبسبب النقص في الكادر التمريضي، يتوجّب على المرافق أن يتقن سرّ المهنة خلال ساعات، وإلا على مريضه (السلام).