صحة مجانية...جداً

صحة مجانية...جداً

المرأة المسكينة ذهبت إلى المستوصف ضالتها الوحيدة في ظل فقرها المرعب، ومن يده سحبت ابنها ابن السنين الخمس الذي ارتفعت حرارته في الليل، وبدت عليه أعراض (الكريب) من سعال وسيلان أنف.. وهذا ما تدركه كل الأمهات بحكم خبرتهن.

فحص الطبيب الطفل، وتأكد من تشخيص والدته، وبقلمه وخطه السيء كتب لها الوصفة الطبية، وقال لها ببرود الأطباء الحكوميين: اشتريها من الصيدلية؟.

الأم المسكينة لم تفهم بسرعة ما قصده الطبيب فهي تعرف مرض ابنها، وكان بإمكانها الذهاب إلى الصيدلي المشهور الذي سيعطيها الدواء المناسب، ولكنها لا تملك ثمن الدواء...عادت أدراجها إلى البيت ومعها الوصفة الطبية وابنها ازداد سعاله من المشي.
الحكاية ليست من فيلم غريب بالأسود والأبيض، وليس قصة عن الفقراء الذين يموتون لأنهم لا يملكون ثمن علبة الدواء، ولكنها حكاية أم محمد ومراجعتها لمستوصف (قطنا)، وهو واحد من المستوصفات الكثيرة المنتشرة في ريفنا، والتي يتغنى بها مدراء الصحة على أنها أنموذج لعلاج الفقراء والمواطنين، وصيدلياتها تعج بالدواء؟.
مركز صحي تابع لمديرية صحة القنيطرة تم افتتاحه منذ أشهر توقف عن توزيع الدواء لأكثر من 20 يوماً نهاية العام بحجة الجرد، ويتحدث مواطنون عن أكياس دواء تخرج بيد الأطباء والممرضين إلى حيث المجهول إما البيوت أو الصيدليات... أو من أجل إرضاء بعض الأصدقاء بينما ينتظر مرضى القلب والسكر لأيام طويلة للحصول على علبة دواء، وهذا في ظل ارتفاع مرعب لأسعار الأدوية خصوصاً تلك التي يحتاجها كبار السن والأطفال.
اليوم وفي ظل الانتشار الكبير للأوبئة التي خلفتها الحرب، وضعف الموارد، وفقر المواطن السوري يجب على الحكومة أن تهتم أكثر بتأمين الأدوية له التي ربما تنجيه من الموت مرضاً بعد أن ابتسم لنجاته من الموت بقذيفة هاون أو عبوة ناسفة، ويجب على الجهات الحكومية الرقابية أن تقطع يد اللصوص الذين يعبثون بما هو مساوٍ للحياة، وأن لا يكون الدواء سلعة بيد المحتكرين، والتجار، ومنزوعي الضمير الذي يتكاثرون كالجراد.
لا يمكن القبول أبداً بأنه يفرض على المواطن الخيار الأصعب بين اثنين إما العيش مع المرض، أو الرضوخ للصيدلي التاجر بأن الدواء البديل فقط هو ألأجنبي والذي يحسب بالدولار، وأن يكون الفارق خيالياً بين سعر مرهم وطني بـ 130 ليرة، وسعره أجنبياً مهرباً بـ 1400 ليرة.