أسواقنا المغشوشة: إنهم يعبثون بطعامنا ..وشرابنا...وكتابنا أيضاً
هذه حال السوق المحلية بكامل نكهتها...سوق مفتوحة للفاسدين الذين زاد من طمعهم غياب المحاسبة، وهشاشة الرقابة الحكومية، وضعفها، وتماديهم على لقمة السوري الشحيحة.
بعيداً عن الضمير
المواطن همه أن يحصل على لقمته وبسعر مقبول وهذا فيما يبدو فتح الباب لتقديم تلك السلع الرديئة الرخيصة، والغلاء الذي أصاب أغلب المواد الأساسية منح ضوءاً أخضر لتجار الأزمة واللصوص بأن يعبثوا بحاجات الناس، وهؤلاء موجودون في كل وقت، ولكنهم يستثمرون في الظرف الصعب، ويرونه مجالاً واسعاً للارتزاق على صحة الناس ومرض أطفالهم.
هم موجودون في الظل تحت أسماء ويافطات وعناوين مبهرة للمواطن، ويقدمون أنفسهم على أنهم وطنيون بامتياز، ومع الوطن في أقسى أحواله، ولكنهم في الحقيقة أولئك المعتاشون على الموت والحرب، وغياب الجهاز الرقابي الحكومي.
بنكهة ورائحة...الزيت
صفيحة زيت الزيتون وصل سعرها إلى 15000 ليرة سورية، ولا يمكن أن تحصل عليها بسهولة، ولكنك تفاجأ بمن يقدمها لك [اسعار منافسة 9000-10000 ليرة سورية، وهذا التاجر يسمح لك بالشم والتذوق، وهي تماماً رائحة الزيت البلدي ولونه ونكهته، وعندما تعود إلى البيت تبدأ المعاناة مع أمراض المغص والاستفراغ وسواها، ويقول لك الطبيب إنه الزيت المغشوش عبر إضافة عبوات صغيرة تحمل نفسها النكهة البلدية.
مواطنون تحدثوا عن طرق غش مبتكرة وهي إنتاج عبوات من الزيت تسمح بوضع الزيت البلدي داخل قميص معدني بداخل الصفيحة فعندما يفرغ لك التاجر الزيت تكون النوعية ممتازة ولا يتجاوز سعة القميص كغ واحد، والمفاجأة في أن باقي زنة الصفيحة من الماء.
في سوق باب السريجة يضع الباعة عبوات بلاستيكية تحوي زيت الزيتون بلونه الأخضر القاني، ومغلف بشريط ورقي ملون مكتوب عليه (زيت سلقيني) وسعر الليتر 250 ليرة سورية، وهي من الطرق التي تساهم فيها مطابع القطاع الخاص بطباعة هذه المغلفات بطرق مشابهة للماركة التي يعرفها المواطن، وهي لا تكلف ليرات في ظل رقابة متداعية على عمليات طباعة مغلفات المواد الغذائية، وذلك لأنها تساهم ليس فقط في غش السلعة ولكنها أيضاً (المطابع) لا تتورع عن ارتكاب المخالفات الأكثر جسامة.
الألبان البلدية
في البرامكة، والأسواق الشعبية المكتظة تنتشر بائعات اللبن والجبنة البلدية كالفطر، والغريب أن المواد نفسها مع أغلبهن باستثناءات بسيطة، وهؤلاء يتفنن في عرض البضاعة على أنها من القنيطرة ومن ماشية حوران، وما يثير الريبة أن الأسعار أخفض من السوق بمقدار النصف.
البعض يؤكد أن ما يباع هو قليل من اللبن المغشوش المخلوط بمادة (السبيداج)، وأن تجاراً وموزعين كبار هم مصدر هذه المواد التي تدخل في غذاء الأطفال والكبار على حد سواء.
بعض المواطنين يؤكدون أنها مغشوشة هذا ما يقوله أحمد (س): اشتريت كيلو لبن مصفى لمرة واحدة ولم أكرر ذلك، نفس لون اللبنة عند الجميع وهذا غريب، ويحلفن الأيمان أنه لبن بقري صافي.
أبو رائد: أنا اشتري أسبوعياً من تلك النسوة وبضاعتهن أفضل من بضاعة المحلات الكبيرة، وأرخص، وأكثر فائدة، ولكن نتيجة المنافسة يطلق أصحاب المحلات الشائعات حولهن.
عطور و(برفانات) شهيرة
بين 100-150 ليرة سورية تستطيع ان تشتري ثلاث عبوات من الملطفات ومزيلات العرق من بسطة بجانب كلية الحقوق من السوق الذي لم يستطع أحد أن ينتزعه من جوار الجامعة ويشكل عبئاً في سير المواطنين وبؤرة تحرش..؟
أيضاً تنتصب خيم وطاولات تبيع أفضل الماركات من أدوات التجميل بأسعار رخيصة جداً، وأحد المحلات يضع شعاراً أي قطعة بـ 100 ليرة فيما تقول فتاة إن سعرها يصل إلى 2000 ليرة سورية في محلات التجميل.
(سيديات)...الأفلام الخالدة
في شارع الثورة تنتشر محلات بيع أشرطة الأفلام، وهناك تجد مالا يخطر في بالك، وعلى سبيل المثال يمكن أن تجد كل مكتبة الأفلام السورية الخاصة على مدى عقودها المتألقة، وكذلك كل المسرحيات التي أنجزها المسرح السوري في قمة عطائه، وهذا من المؤكد مصدره محلي محض، ويخرج من إطار الحماية الفكرية والمادية التي سنت لها الدولة مؤخراً قوانين ومراسيم تحمي الناشر والفنان والكاتب، وتعطيه حق التعويض عن بيع منتجه.
المثير للدهشة هو أنك تستطيع أن تشتري بـ 100 ليرة فقط مجموعة من أفلام (كيت ونسلت) الشهيرة غير مقتطعة، وقس على ذلك كل مشاهير هوليوود، والأفلام العالمية التي حصدت جوائز البوكر والسعفات الذهبية والبلاتينية وكان.
كتب ليست عابرة
الأعمال الرائعة الحاصلة على نوبل لغابرييل غارسيا ماركيز، وباولو كويلهو فقط بسعر بين 200-250 ليرة سورية، أيضاً ستجد في بسطات الكتب أعمالاً حديثة لأحلام مستغانمي بنفس بالسعر نفسه.
سألت أحد اصحاب دور النشر الشهيرة والتي تطبع بالسر هذه الكتب عن سعر كتاب (الخبز الحافي) لمحمد شكري فقال لي سعره 1200 ليرة سورية، ولما سألته لماذا هذا الفارق الكبير رغم ـ أن النسخة قديمة فأجابني أنها نسخة أصلية.. عندها رجوته أن يقدم لنا نسخة مزورة بطباعة الليزر.
غش.. بالجملة
حكايات الغش ليست جديدة ومنها ما كانت على نطاق ضيق، وكانت تكاد تشكل حالات فردية فيما مضى...اليوم تبدو القضية على أوسع حد بسبب غياب الرقابة أولاً، وانتهازية التجار وبعض المسؤولين الذين لا هم لهم سوى جمع المال بكافة الطرق.
هذه اللقطات السريعة ليست سوى عينة مما يجري في أسواقنا، ولكن الحال أسوأ مما نقلنا، وأفجع مما يحصل لنا.