تطورات ميدانية «تهدّد» استمرار الهدوء النسبي في محافظة الحسكة
شهدت مدينة الحسكة خلال الأسبوع الماضي، تطورات ميدانية عسكرية كبيرة، مازالت مستمرة حتى الآن، وتسببت بسقوط قذائف على منازل السكان، ووقوع قتلى وإصابات بين المدنيين، خلال اشتباكات عنيفة بين الأطراف المختلفة في الأزمة السورية، ما ينذر بوقوع كارثة في المحافظة الشاسعة التي حافظت على هدوء نسبي طوال السنوات الثلاث الماضية، وكانت قبلةً للنازحين إليها من جميع المحافظات.
لقد بدأت بعض العائلات بالنزوح من المدينة، سواءً لأحياء أخرى أكثر أماناً، أو نحو مدينة القامشلي، أو نحو القرى الآمنة، في مؤشر على أن مستقبل المدينة أصبح مجهولاً، بعد وقوع هجوم مسلح على مقر فرع حزب «البعث» في وسط المدينة شبه المغلقة بالحواجز الأسبوع الماضي، وقبل أن تبدأ القذائف العشوائية بالسقوط على الأحياء السكنية، وتوقع قتلى وجرحى مدنيين، وسط تضارب أنباء كل طرف عما يحققه من انتصارات في الاشتباكات الواقعة عند أطراف المدينة الجنوبية.
الاختبار الحقيقي
وسواء تمكنت الجماعات المسلحة بغض النظر عن تصنيفاتها، من السيطرة على موقع عسكري من الجيش السوري، تمهيداً لـ«تحرير» المدينة ككل، أو استطاع الجيش «صد» هجوم لهذه الجماعات وإيقاع خسائر فادحة بين صفوفها، فإن الحياة في مركز المدينة شبه متوقفة، بانتظار تطورات الأحداث في الأيام المقبلة، والتي ستكون اختباراً حقيقياً لعمل الدوائر الحكومية والجامعة والأسواق بعد عطلة عيد الفطر الطويلة.
ثلاث محافظات في محافظة
حافظت الحسكة على هدوء نسبي منذ الأيام الأولى للأزمة السورية وحتى الآن، وتعد العمليات العسكرية والاشتباكات التي وقعت في المحافظة، محدودة مقارنة بباقي المحافظات الساخنة، لاسيما ريف دمشق وحلب وحمص ودير الزور، ومازالت غالبية مدن وبلدات الحسكة تحت سيطرة الدولة باستثناء بعض الأرياف النائية التي نزح سكانها نحو مدينتي الحسكة والقامشلي الآمنتين.
وأصبحت المحافظة بفضل هذا الوضع المستقر نسبياً، قبلة للنازحين من باقي المحافظات الساخنة، لاسيما محافظتي دير الزور والرقة، ومع مرور الأيام نقلت بعض المؤسسات الحكومية في دير الزور والرقة مقراتها إلى الحسكة لتقديم الخدمات لعدد كبير من النازحين، كما أن الكليات الجامعية في الحسكة أصبحت وجهةً للطلاب القادمين من دير الزور والرقة، والأمر ذاته بالنسبة للمدارس.
وتهدد التطورات العسكرية الأخيرة إذا ما استمرت، بتوقف الحياة في ثلاث محافظات جمعتها الأزمة السورية في محافظة واحدة، سكانياً وحكومياً، ويعني خروج مدينة الحسكة من سيطرة الدولة، توقف الحياة تماماً في المحافظة بتأثير سقوط المركز.
غياب الدور والاستعدادات
لم تستفد الجهات الحكومية المسؤولة في الحسكة من الوضع الهادئ في المحافظة، رغم مرور أكثر من ثلاث سنوات عليه، وغاب دور الحكومة والجهات الأمنية في تحقيق مصالحات وتسويات فيها، ومحاورة المسلحين من أبنائها، لاسيما في الريف، واستيعابهم ودعوتهم لإلقاء السلاح، وممارسة نشاط سلمي، لتجد المحافظة نفسها اليوم أمام المجهول.
وساهمت القوات العسكرية الناشئة في ظل الأزمة السورية بتعقيد المشهد في المحافظة بشكل كبير، ولتولد ردات فعل سلبية دفعت الكثير من حاملي السلاح اليوم ضد الدولة نحو التمسك أكثر بحربهم، لابل ساهمت في انضمام عناصر جدد لهم.
ويشبه دور الحكومة والمسؤولين الأمنيين والعسكريين في المحافظة، دور مؤسسات الدولة المدنية التي فشلت في تأمين مستلزمات الحياة بحجج واهية، وسط فلتان في الأسعار، وسيطرة تجار السوق السوداء على المواد الأساسية والقدرة على تأمينها ولكن بأسعار خيالية، وغياب أي دور حكومي في إثبات وجودها.
فإلى متى استمرار هذه السياسات والممارسات غير المسؤولة للحكومة والجهات المختصة؟