معالم التحالف ضد «داعش» ترتسم

معالم التحالف ضد «داعش» ترتسم

بدا، امس، أن معالم التحالف الدولي ضد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» قد بدأت ترتسم، بعد حصول الرئيس الأميركي باراك أوباما على دعم حلفائه «الأطلسيين» في القمة السنوية لـ«الناتو» في ويلز في بريطانيا، والتي خرجت ببيان ختامي ندد بـ«الأعمال الهمجية والمقيتة» التي يرتكبها تنظيم «داعش»، وفي اجتماع آخر عُقد على هامش هذه القمة، وأكدت فيه عشر دول غربية استعدادها للمشاركة في الخطة الأميركية ضد التنظيم المتشدد، لتنتقل بذلك إدارة أوباما إلى مرحلة أكثر تقدّماً في حشد الدعم الإقليمي، وهو ما سيكون محور الجولة الخليجية التي يقوم بها وزير الخارجية جون كيري ووزير الدفاع تشاك هايغل خلال الأسبوع المقبل، وبعدها الدعم الدولي الأوسع حين يطرح الأمر خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نهاية ايلول الحالي.

وفي الوقت الذي احتل فيه خطر «داعش» الأولوية في جدول أعمال القمة «الأطلسية»، فإن باقي ما ناقشه الحلفاء الغربيون لم يكن أقل خطورة، وخصوصاً في ظل التوتر في العلاقات الغربية - الروسية على خلفية الأزمة الأوكرانية، وخطط التوسع التي ينتهجها «الناتو»، والتي تتجاوز الخطوط الحمراء الروسية. فإلى جانب الحديث عن عقوبات دولية جديدة ضد موسكو، برغم المفاوضات الجارية في مينسك لحل تلك الأزمة، أقرّ القادة «الأطلسيون» تشكيل قوة للتدخل السريع في شرق أوروبا، معربين عن رفضهم قيام أي دولة بفرض «فيتو» على انضمام أعضاء جدد إلى الحلف، في إشارة واضحة إلى الرفض الروسي لضم أوكرانيا وجورجيا الى هذا التحالف الغربي الذي نشأ في خضم الحرب الباردة.
وأكد الحلف الأطلسي، في البيان الختامي لقمة ويلز، أنه «سيرد بحزم ومن دون تردد، على تنظيم الدولة الإسلامية، في حال تهديده لأمن أي من الدول الأعضاء في الناتو، تطبيقاً لاتفاقية الدفاع المشترك» بين دول الحلف.
وأضاف البيان ان الحلف «يدين بأشد العبارات استهداف تنظيم الدولة الإسلامية للمدنيين، في هجماته الوحشية، وغير الأخلاقية»، مشدداً على ضرورة تشكيل حكومة عراقية تمثل جميع العراقيين، وتكون أساساً في وضع حدٍ للتدهور الأمني في العراق، ومجابهة تنظيم «الدولة الإسلامية».
وأشار البيان إلى توافق دول «الناتو» على تنسيق الدعم الأمني للعراق، مشيراً إلى أن الحلف الأطلسي مستعد لدراسة أي طلب من الحكومة العراقية في إطار بناء القدرات الدفاعية والأمنية.
ولفت البيان الختامي إلى أنّ دول الحلف «ستتبادل المعلومات»، في ما بينها، حول المقاتلين الأجانب في سوريا.
وعقب اجتماع عقده قادة عشر دول غربية على هامش أعمال قمة ويلز، قال الرئيس الأميركي باراك أوباما إن حلفاء رئيسيين في حلف شمال الأطلسي مستعدون للانضمام إلى الولايات المتحدة في القيام بعمل عسكري لهزيمة مقاتلي «الدولة الإسلامية». وأضاف أن واشنطن ستدمر هذه الجماعة مثلما فعلت مع مقاتلي تنظيم القاعدة الذين نفذوا هجمات 11 أيلول العام 2001، لافتاً إلى ان القادة «الأطلسيين» أجمعوا في قمة ويلز على أن المقاتلين المتشددين يشكلون خطراً بالغاً على الغرب، وأنه لقي مساندة للتحركات الأميركية في العراق.
وتابع أن «حلفاء رئيسيين في حلف شمال الأطلسي يقفون على أهبة الاستعداد لمواجهة هذا الخطر الإرهابي من خلال العمل العسكري والاستخبارات وإنفاذ القانون وكذلك الجهود الديبلوماسية... وقد انضم بالفعل حلفاء إلينا في العراق، حيث أوقفنا تقدم الدولة الإسلامية، وقمنا بتجهيز شركائنا العراقيين وساعدناهم على الهجوم».
وإلى جانب الولايات المتحدة، شاركت بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والدنمارك واستراليا وتركيا وكندا وبولندا في الاجتماع، الذي يبدو انه رسم أساس هذا التحالف المستقبلي الذي يأمل كيري أن يتشكل بحلول موعد اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة نهاية ايلول المقبل.
من جهة ثانية، قال وزيرا الخارجية والدفاع الأميركيان جون كيري وتشاك هيغل، في بيان مشترك عقب اجتماع لوزراء الخارجية والدفاع في الدول العشر، إن «لا مجال لإضاعة الوقت لتشكيل تحالف دولي واسع يستهدف إضعاف التهديد الذي يمثله تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام والقضاء عليه في نهاية المطاف».
ويبدو أن ثمة إجماعاً بين الدول الغربية التي ستشكل نواة التحالف الدولي ضد «داعش» على أن المعركة ضد التنظيم المتشدد لن تلحظ إرسال قوات برية، سوى ضمن إطار محدود على شاكلة مستشارين عسكريين أو ما شابه، وهو ما عبّر عنه رئيس الديبلوماسية الأميركية بقوله «أعتقد أن الخط الأحمر بالنسبة الى الجميع حول هذه الطاولة هو لا قوات على الأرض».
وأوضح كيري وهيغل، في بيانهما، أن «التحالف الدولي يجب ان يقوم على محاور عدّة: الدعم العسكري لشركائنا العراقيين، ووقف تدفق المقاتلين الأجانب، والتصدي لتمويل تنظيم الدولة الإسلامية، ومعالجة الأزمة الإنسانية، ونزع الشرعية الايديولوجية لتنظيم الدولة الاسلامية».
وأشار البيان إلى ان «المشاركين أكدوا استعدادهم للمشاركة الكاملة في هذه المقاربة المنسقة... في الأيام المقبلة سنواصل المباحثات مع شركائنا في المنطقة الذين لديهم دور مهم يقومون به».
وتابع البيان «سنشكّل قوة عمل متعددة الجنسيات لمشاركة المزيد من المعلومات حول تدفق المقاتلين الاجانب».
وتضمن البيان تصريحات لكيري جاء فيها: «يجب ان نكون قادرين على وضع خطة سوياً بحلول موعد اجتماعنا في الجمعية العامة للامم المتحدة». وفي إشارة إلى «داعش»، قال كيري «انهم ليسوا منظمين، كما يعتقد الجميع... أما نحن فلدينا التكنولوجيا، ولدينا الخبرة. ومن الواضح ان ما نحتاج اليه هو الإرادة للتأكد من ثباتنا ومثابرتنا»، مضيفاً «يتعين علينا ان نهاجمهم بطرق تمنعهم من الاستيلاء على أراض، وتعزز قوات الامن العراقية وسواها في المنطقة ممن هم على استعداد لمحاربتهم من دون أن نرسل جنودنا».
إلا أن مصدراً فرنسياً اعتبر ان عراقيل كثيرة ما زالت قائمة في ما يتعلق بمحاربة «داعش»، باعتبار ان التنظيم المتشدد قد أعلن قيام «الخلافة» في أراض سورية وعراقية في الوقت ذاته.
وأضاف «في العراق، هناك حكومة تطلب المساعدة وهذا إطار محدد. أما في سوريا، فهناك دولة ومعارضة وتنظيم الدولة الإسلامية. إنها عملية أكثر تعقيدا على الصعيد السياسي والقضائي، خصوصاً أن (الرئيس السوري بشار) الأسد ليس شريكاً».
وكان الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند قد أبدى انفتاحاً على «رد عسكري» ضد «داعش»، موضحاً ان ذلك يجب أن يتم «في كنف احترام القانون الدولي»، قبل أن يعلن استعداد فرنسا للانضمام إلى التحالف الدولي ضد التنظيم المتشدد بشرط «احترام قواعد القانون الدولي»، ووجود «إطار سياسي» يتمثل في تشكيل حكومة عراقية جديدة، مستبعداً قيام أي عمل في سوريا «قبل الحصول على دليل واضح بأن ما يمكن ان نقوم به لن يصب في مصلحة بشار الأسد».
وأضاف أن «هذا لن يمنعنا من التحرك، بما اننا سبق ان قدمنا المساعدة الى الجيش السوري الحر، إلا ان ذلك يفترض توافر شروط اخرى، لأننا هنا لسنا في الوضع نفسه بالنسبة الى القانون الدولي»، موضحاً «بالنسبة الى العراق، فإنّ السلطات التي نعتبرها شرعية هي التي تستدعينا. أما في سوريا، فمن الذي سيستدعينا؟».
بدوره، أعلن رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر ان كندا ستنشر «عشرات» العسكريين في العراق «لتقديم الاستشارات والمساعدة»، التي ستشمل «تقديم وسائل تحرك أكثر فعالية لقوات الامن في شمال البلاد لمواجهة تهديد الدولة الإسلامية».
وأضاف هاربر، في بيان، أن «تطرف التنظيم الإرهابي (الدولة الإسلامية) هو خطر حقيقي على الأمن الإقليمي، وعلى ملايين الأبرياء في العراق وسوريا وخارجهما». وتابع «إذا تركت (الجماعة) دون مقاومة، فستكون خطراً مباشراً على كندا وحلفائها».

أوكرانيا وجورجيا
من جهة ثانية، قال الأمين العام لحلف شمال الاطلسي أندرس فوغ راسموسين ان «الناتو» يرفض أن تمتلك دولة ثالثة حق النقض «الفيتو» على سياسة توسعة الحلف وذلك في رد على التحذيرات التي أطلقتها روسيا من مغبة محاولة أوكرانيا الانضمام الى التحالف الغربي.
وأضاف «لا تزال أبواب الحلف مفتوحة (للعضوية) وسيتم تقييم كل دولة وفقاً لمدى جدارتها»، مشيراً إلى ان «الناتو» أقر حزمة من الإجراءات لتعزيز القدرات الدفاعية لجورجيا، وتحسين استعدادات الجمهورية السوفياتية سابقا للانضمام إلى الحلف.
إلى ذلك، أعلن راسموسين ان الدول الأعضاء في الحلف الأطلسي قررت تشكيل قوة رد سريع يمكن أن تنشر لبضعة أيام في حال حدوث أزمة، مشيراً إلى انها قررت الإبقاء على «حضور دائم» في شرق أوروبا.
وأوضح أن «إحدى نتائج خطة الرد السريع ان يكون الحلف حاضرا بوضوح في الشرق. وأعتقد ان هذا يبعث برسالة بالغة الوضوح الى موسكو».
وتابع «اتفقنا اليوم على الإبقاء على حضور دائم ونشاط دائم لسلاح الجو والبر والبحر في القسم الشرقي للحلف على أساس التناوب».
وفي وقت أثمرت المحادثات الروسية - الأوكرانية في مينسك اتفاقاً على وقف لإطلاق النار في شرق الدولة السوفياتية السابقة، قال أوباما إن وقف إطلاق النار يمكن ان يحمل السلام الى أوكرانيا «فقط إذا استُتبع بخطوات على الارض»، مضيفاً «نحن متفائلون، لكن استنادا الى التجربة السابقة فنحن ايضا متشككون إزاء احترام الانفصاليين لوقف إطلاق النار، وإزاء توقف الروس عن انتهاكهم سيادة وسلامة أراضي أوكرانيا». وتابع «لذلك لا بد من أن يستتبع وقف إطلاق النار بخطوات على الارض، ومن الأفضل فرض عقوبات (على روسيا) حتى ولو ألغيناها لاحقا».

المصدر: السفير