حرب استيطان إسرائيلية.. بعد عدوان غزة
كشفت صحيفة «هآرتس» النقاب، أمس، عن بحث الإدارة الأميركية عن خطوات جديدة لمعاقبة إسرائيل على مصادرتها أربعة آلاف دونم من قرى الضفة الغربية لتوسيع مستوطنات «غوش عتصيون».
وأشارت «هآرتس» إلى أن ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية، وفي محاولة لتجنب غضب إدارة الرئيس باراك أوباما، أبلغ الأميركيين أن قرار وزير الدفاع موشي يعلون حول هذه الأراضي لم يتم بالتنسيق معها. ونقلت عن مسؤول أميركي قوله إن الإدانة لا تكفي، و«من الجائز أن يتجلى رد فعلنا على الخطوة بوسائل أخرى». لكن على ما يبدو اعتادت إسرائيل على قرارات الإدانة وتصرفت كأن شيئاً لم يكن، وأعلنت عن إنشاء 283 وحدة استيطانية في الضفة الغربية.
وكانت «الإدارة المدنية» الإسرائيلية أعلنت، قبل أيام، أن أربعة آلاف دونم تقع في خمس قرى فلسطينية بين الخليل وبيت لحم «أراضي دولة» وأن القرار تم بتوجيه من القيادة السياسية وهو خطوة عقابية للفلسطينيين على اختطاف وقتل المستوطنين الثلاثة. وأشارت جهات مختلفة إلى أن مصادرة هذا القدر من الأرض أعد لخلق تواصل جغرافي بين «غوش عتصيون» والقدس المحتلة من جهة والخط الأخضر من جهة أخرى.
وأشار مسؤول إسرائيلي مطلع على ملف العلاقات مع أميركا أن مصادرة أربعة آلاف دونم في هذا الوقت «أخرج الأميركيين عن طورهم»، وأن مسؤولين أميركيين بعثوا لإسرائيل، في الأيام الأخيرة، برسائل شديدة اللهجة، لكن أشدها كان في محادثة هاتفية أجراها وزير الخارجية جون كيري مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الثلاثاء الماضي.
ومعروف أن الخارجية الأميركية أدانت، في بيان، الإجراء الإسرائيلي، وأعربت عن القلق من عواقبه وطالبت بإلغائه فوراً. وقد حاول عدد من مستشاري نتنياهو، خصوصاً مستشار الأمن القومي الإسرائيلي يوسي كوهين، في الأيام الأخيرة توفير تبريرات ومحاولة تخفيف الغضب الأميركي. وقالوا للأميركيين إن سنوات ستمر قبل أن تبدأ أي خطوة على الأرض في هذه المنطقة، وأن المخطط يحتاج إلى الكثير من الأذونات والتصاريح.
وشدد مستشارو نتنياهو على أن رئاسة الحكومة الإسرائيلية فوجئت أيضاً من القرار، ولذلك فإنها لم تجر مشاورات مع الأميركيين.
ولتصديق كلام رئاسة الحكومة بادر ديوان وزير الدفاع للإعلان أن قراره لم يتم بالتنسيق مع رئاسة الحكومة، لأنه لا يحتاج أصلا إلى مثل هذا التنسيق خصوصاً أن القرار «فني».
غير أن كل التبريرات الإسرائيلية ليست سوى اختلاقات، لأن قرار مصادرة أربعة آلاف دونم ليس قراراً فنياً، والجميع يعرف أنه سياسي بامتياز، ويتعلق ليس فقط بالعلاقات مع السلطة الفلسطينية وإنما أيضاً بالعلاقات مع أميركا والأسرة الدولية. وعدا ذلك فإن القرار تمت مناقشته في المجلس الوزاري المصغر أثناء البحث في الخطوات العقابية ضد الفلسطينيين بعد مقتل المستوطنين الثلاثة. وفي النقاشات عرض وزير الدفاع على الحكومة تحويل موقع «ناحال جفعوت» في محيط «غوش عتصيون» إلى مستوطنة جديدة. وبعد الجلسة طلب يعلون من «الإدارة المدنية» التابعة لوزارته إتمام الإجراءات الإدارية بهذا الشأن، وجرى الإعلان عن القرار.
ومعروف أن غالبية الدول الأوروبية والأمم المتحدة أدانت القرار الإسرائيلي واعتبرته استفزازاً، وطالبت بإلغائه فوراً. ورأى ديبلوماسيون أوروبيون أن القرار قد يسرع الميل القائم في مؤسسات الاتحاد الأوروبي ووزارات الخارجية الأوروبية لفرض عقوبات على المستوطنات. كما أن القرار قد يصلب الموقف الأوروبي في المفاوضات التجارية الجارية مع إسرائيل، خصوصاً لجهة تسهيل وصول الصادرات الزراعية والألبان الإسرائيلية.
وقد نشرت عطاءات لبناء 283 وحدة استيطانية في مستوطنة «ألكنا» في منطقة نابلس. وكانت إسرائيل أعلنت عن إنشاء هذه الوحدات أثناء المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، وأمس الأول أعلن إنجاز كل إجراءاتها الإدارية ودخلت مرحلة إرساء العطاء للتنفيذ.
وتقع مستوطنة «ألكنا» على مسافة غير بعيدة عن الخط الأخضر داخل الضفة الغربية، وتعتبرها إسرائيل ضمن الكتل الاستيطانية، وهي تقع غربي الجدار الفاصل.
ويرى معلقون إسرائيليون أن نتنياهو، الذي يسترد شعبيته بخطوات أشد يمينية، اندفع نحو تعزيز الاستيطان سبيلا لترسيخ مكانته داخل «الليكود». فالخطط الاستيطانية، خصوصا إذا ترافقت بإدانة دولية، توفر لنتنياهو فرصاً أفضل لمجابهة المتطرفين اليمينيين داخل حكومته وحزبه وخارجهما.
وكتب أحد المعلقين أن نتنياهو يقرأ استطلاعات الرأي بعد الحرب على غزة، ويلحظ تآكل قاعدته الشعبية في الأوساط اليمينية. لكن معسكر اليمين يكسب في أي انتخابات يمكن أن تجري، وبغالبية كبيرة، ونتنياهو يريد أن يبقى على رأس هذا اليمين. ولهذا شرع بحملة لاستعادة مكانته، أولا بـ«تأميم» ومصادرة أراضي القرى الفلسطينية الخمس من ناحية والبدء بحوارات مع نشطاء «الليكود» من ناحية ثانية.
المصدر: السفير