عن «تمرّد» التي تقود الانتفاضة الثانية
بيسان كساب بيسان كساب

عن «تمرّد» التي تقود الانتفاضة الثانية

القائد الأساسي لـ«30 يونيو» هو حملة «تمرد»، وان شاركت كل قوى المعارضة تحت مظلتها وتبنت خطابها وبرنامجها وأهدافها. لم تفرض الحملة نفسها من فراغ، فقد نجحت في جمع أكثر من 15 مليون توقيع، والأهم أنها زحزحت آرائك حزب «الكنبة»، وهو ما لم يُسجل لغيرها .

خلال الأيام الأولى لثورة يناير، صاغت البلاغة الساخرة للمصريين مصطلحاً أطلقوه في مواجهة الجمهور الذي ولى ظهره للثورة خشية فقدان الاستقرار وكل ما هو قديم وراسخ؛ سموهم حزب «الكنبة»، في إشارة الى إصرارهم على البقاء في منازلهم على الأرائك أمام شاشات التلفزة بينما كانت ملايين أخرى تتدفق على الشوارع ببسالة.

لم يكن حزب «الكنبة»، فاعلاً طوال الأيام الثمانية عشر، غير أنّه مثل طوال الوقت كتلة ضخمة عصية على الاختراق في كل الأحوال. وعلى الرغم من أن تقديرات الأعداد التي شاركت في الثورة تجاوزت في بعض الأحيان ١٥ مليوناً، كانت الغلبة لحزب «الكنبة» في كل الوقائع، التي استدعت حفاظ الدولة القديمة على كيانها في مواجهة أصوات التغيير، ما دامت رحاها لا تدور في الميادين في مواجهة الرصاص. انتصر هذا الحزب للمجلس الأعلى للقوات المسلحة ولقوى الإسلام السياسي، التي تحالفت معه في معركة الاستفتاء على الإعلان الدستوري في آذار ٢٠١١.
لكن المعجزة تحققت على نحو ما هذه المرّة على يد حملة «تمرّد»، التي يفترض أن اسمها وحده يبدو كافياً لإثارة نفور هذا الجمهور؛ فقد نجحت، على عكس كل التوقعات، الى حد كبير في اختراق هذه الكتلة، التي يستند قطاع كبير منها إلى الريف والمجتمعات التقليدية، بصورة عامة من قبيل مريدي الطرق الصوفية، الذين ظلوا لعقود جمهوراً داعماً لكل النظم السياسية المتعاقبة، في ظل اتفاق ضمني لمشايخ هذه الطرق لتأييد السلطة؛ فقد كان يكفي مثلاً متابعة نجاح «تمرد» الساحق في جمع التوقيعات على استمارات سحب الثقة من الرئيس محمد مرسي خلال مولد السيدة زينب مطلع حزيران الماضي، الذي يؤمه الآلاف من أبناء الريف قاصدين الحي الذي يحمل نفس الاسم في قلب القاهرة، بينما أصوات مديح آل البيت في خلفية المشهد تصنع مفارقة تاريخية للمرة الأولى بين «التمرد» و«الطاعة»، التي اعتادها الصوفيين نحو مشايخ الطرق.
هذه الخطوة التاريخية التي خطاها هذا الجمهور ربما للمرة الأولى بعيداً عن الأرائك، هي بالضبط ما يفخر به محمود بدر، أحد مؤسسي حملة «تمرد». يقول في حديثه لـ«الأخبار»، انه أدرك هو وزملاؤه أن الشعب لم يعد يستجيب لدعوات التظاهر التي تطلقها المعارضة الواحدة تلو الأخرى، لكونه سئم من عدم جدواها ومن النهاية المعتادة، التي تكلل كل مشهد احتجاجي، وهو إشهار قطاعات من قبيل «بلاك بلوك»، التي أعلنت نفسها الجناح المسلح للثورة في مواجهة قوات الأمن، وأفزعت الجمهور المعتدل. «بينما تمرد طرحت على هذا الجمهور اقتراحاً بسيطاً يناسب طبيعته، ولا يتطلب درجة كبيرة من التضحية وهو التوقيع على سحب الثقة من مرسي. لكنه أمر يستدعي من هذا الجمهور في المقابل التظاهر في الموعد المقترح للدفاع عن إرادتهم الحرة التي عبّروا عنها بالفعل، لأن التوقيع جعل من الجمهور التقليدي، الذي لا تلتفت اليه المعارضة، شريكاً في الحملة، وبالتالي أصبح أكثر استعداداً للتضحية»، مضيفاً أن «هذه الحملة توجهت للناس في عقر دارهم لتنقل الثورة فعلياً من الميادين الى الحواري والمصانع والريف والنجوع».
لكن الأمر ليس بهذه السهولة، لأن جمهور «تمرد» يضم حزب الكنبة الذي قد يفضل الحلول السريعة السهلة للخلاص من جماعة الإخوان المسلمين، بما في ذلك نقل السلطة الى أي طرف يظنون أنه قد يعيد اليهم الاستقرار، ربما بما في ذلك الجيش. وفي الوقت نفسه، يضم جمهور «تمرد» الواسع «متمردين» آخرين من عينة قطاع كبير من الشباب دفعته الثورة دفعاً الى التسييس بسرعة ودفعت عددا لا بأس به منهم الى الانضمام بصورة خاصة للحركات اليسارية أو ذات الطابع اليساري. وبالتالي، فإن دور الجيش في المرحلة الانتقالية، في حال أتت «تمرد» أُكلها بالفعل وأجبرت مرسي ومن خلفه على القبول بانتخابات رئاسية مبكرة، يظل أمراً خلافياً بوضوح من فرط اتساع الحركة، خاصة وأن للثورة تراثها المرير في مرحلة انتقالية سابقة، واجهت فيها المجلس الأعلى للقوات المسلحة وسقط فيها مئات الشهداء على يد قوات الجيش.
من المؤكّد أن المؤسسة العسكریة لا تزال تمارس دوراً محوریاً في المجال السیاسي، حتى ٕوان كان هذا الدور یبدو مستتراً نوعا ما، ويمكن أن تضطرها الأحداث الى القیام بانقلاب عسكري مباشر، وهذا ما يثير مخاوف على مستقبل التحول الدیموقراطي في مصر، بحسب حبيبة محسن، الباحثة في منتدى بدائل العربي للدراسات في ورقة بعنوان «٣٠ يونيو ٢٠١٣ سيناريوهات المستقبل».
غير أن بدر يبدو متفائلا في هذا السياق بتشكيل ما يسمى «جبهة ٣٠ يونيو» قبل أيام بما تضمنه الإعلان عنها من خارطة طريق للمرحلة الانتقاليه تحول دون تدخل مفاجئ للجيش.
لكن الخطورة تكمن في إمكانية إعادة إنتاج تجربة «ائتلاف شباب الثورة»، التي كانت المظلة الجامعة للقوى الشبابیة الثوریة خلال فترة الـ١٨ یوماً، غير أنها لم تستطع ترجمة تلك الحالة الثورية أو الخطاب الثوري إلى جملة انتخابية جیدة، وبالتالي كان نجاحها الانتخابي محدودا للغاية في برلمان ٢٠١١، على حدّ تعبير حبيبة.