اقتصاديون يحذرون : فرنسا تعرّض تعافي «منطقة اليورو» للخطر
في الوقت الذي تصارع فيه أوروبا لتجاوز أسوأ مراحل أزمة الدَين التي أصابتها، تتحول فرنسا وبشكل متزايد إلى مصدر قلقٍ يهدد عملية التعافي الاقتصادي هذه.
ترجمة : نور طه
طريق النمو غير سالك
ظل الاقتصاد لفترة طويلة يسير بمحاذاة الركود، فقد حذر رجال اقتصاد أثناء اجتماع لهم عُقد مؤخراً، من أنه في حال لم تضاعف الحكومة الفرنسية - إلى جانب نظيرتها الألمانية - جهودها لتحسين النمو، فمن شأن هذا أن ينعكس سلباً على آفاق الوصول إلى تعافٍ أوسع في «منطقة اليورو*».
ففي مقابلة له على هامش الاجتماع المذكور، أشار برتراند بادري، كبير المسؤولين الماليين والمدير الإداري في مجموعة «مصرف العالم*» في واشنطن، إلى أن "ضعف فرنسا بات واضحاً" مضيفاً "لا أقصد أن على فرنسا وألمانيا أن تهيمنا، لكن عدم تمكننا من إيجاد حلٍ سوياً قد يضعنا أمام مشكلة".
وقد تمت إثارة هذا الموضوع من جانب «دائرة الخبراء الاقتصاديين*» بشكل متكرر خلال أيام الاجتماع الثلاثة، بالتزامن مع قيام نخبة صناع القرار الأوروبي ورجال الاقتصاد بتناول ما قد أصبح أكثر القضايا إقلاقاً حول أوروبا، والتي تتلخص بأنه ورغم جميع الخطوات التي اتُخذت لوضع البلدان المأزومة على سكة تجديد النمو، إلا أن عملية التعافي لا زالت تسير حتى هذه اللحظة ببطء شديد.
هذا وأشارت كريستين لاجارديه، المديرة الإدارية لصندوق النقد الدولي، إلى أن توقعات صندوق النقد لأوروبا قد تنقطع وسط الإشارات إلى أن ضعف النمو المحتمل في عدد كبير من البلدان، وقالت لاجارديه أمام المؤتمر "الاقتصاد العالمي يسير بسرعة، على الرغم من أن وتيرة سرعته كانت أقل مما توقعناه سابقاً" مضيفةً "إننا نرى عجزاً استثمارياً في كل مكان".
العلاج بالصدمة!
إن الاسثمار في أوروبا الآن أقل بحوالي 20% مما كان عليه قبل اندلاع الأزمة، بينما بقي الاستثمار العام - وخاصة على طول الساحل الجنوبي لأوروبا - مضبوطاً بشدة نظراً للقيود المفروضة على الميزانية.
بعد عامين من دعوة ألمانيا للحكومات الأوروبية لتخفيض الإنفاق الحكومي ورفع الضرائب بهدف تعديل حساباتها القومية وإصلاحها، بدأ صانعوا السياسيات بمناقشة الحاجة لاستخدام أسلوب الصدمة في برامج الاستثمار العام - وخاصة ما يتعلق بالبنية التحتية - لتعديل التباطؤ الذي عمقته التدابير التقشفية.
هذا وقد ذكر جاك ميسترال، رئيس قسم الدراسات الاقتصادية في المعهد الفرنسي للعلاقات العامة، أن "المشاكل التي تلت الأزمة المالية لا تزال قائمة في منطقة اليورو" مضيفاً "هناك إنفاق أقل بكثير اليوم، ولذلك فعلى الحكومات أن ترأب هذا الصدع".
وفق تقرير صادر عن «مؤسسة برايس ووترهاوس كوبرز للاستشارات PwC»، فإن أوروبا ستمثل 10% فقط من مجمل الإنفاق العالمي على البنى التحتية بحلول عام 2025، بعد أن كانت تمثل حوالي 20% قبل عدة سنوات. في الوقت الذي ستمثل منطقة آسيا - الباسيفيك* ما يقرب من 60% من هذا الإنفاق.
الرجل المريض
دعا السيد ميسترال، شأنه شأن العديد ممن حضروا المؤتمر، لتوظيف مليارات اليوروهات في الاستثمارات العامة في قطاعات الطاقة والبيئة والتكنولوجيا والإنترنت فائق السرعة، وهي القطاعات التي تأخرت فيها عدة دول كفرنسا. وقد تمكنت الأخيرة من تحصيل موافقة شركائها الأوروبيين على تأجيل الموعد النهائي المقرر لتخفيض عجز ميزانيتها إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو الهدف الذي تخطط الحكومة الفرنسية حالياً للوصول إليه في عام 2015. ومن جانبه، دعا الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى إعفاء الإنفاق الاستثماري من أرقام العجز في محاولة منه لإعادة تنشيط اقتصاد بلاده.
وسط القلق المتزايد من تحول فرنسا إلى «رجل أوروبا المريض» الجديد، تحدث وزير المالية الفرنسي مايكل سابين، عن ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو بلهجة أكثر تطميناً، حيث قال في مقابلة معه "إن فرنسا تُعتبر اقتصاداً كبيراً في أوروبا يتمتع بقاعدة صناعية وابتكارية وبحثية كبيرة، ولا أفهم كيف يمكن أن نكون مرضى، فنحن نتجاوب ونخفض التكاليف والضرائب عن الشركات، ونعمل للوصول إلى تنافسية أكبر".
ورغم هذا، فقد حذرت السيدة لا جارديه الدول التي تسعى لتجنب الوقوع في الانكماش إلى عدم زيادة ديونها الوطنية المرتفعة أصلاً، وهي المشكلة التي كانت في صميم أزمة منطقة اليورو. وفي هذا السياق قالت لا جارديه "إذا لم تكن في وضع يضمن الاستقرار على المدى المتوسط، فلا يمكنك القيام باستثمارات رئيسية للبنية التحتية، بل يجب القيام بهذا الأمر على قاعدة «كل حالة على حدى»".
نقلا عن صحيفة «نيويورك تايمز» بتاريخ 6 تموز 2014
هوامش :
منطقة اليورو* : اتحاد اقتصادي ونقدي يضم 18 من دول الاتحاد الأوروبي التي اعتمدت اليورو كعملة مشتركة وقانونية وحيدة لهم.
مصرف العالم* : يتألف من 5 مؤسسات وهي المصرف الدولي للإنشاء والتعمير - المؤسسة الدولية للتمويل - المؤسسة الدولية للتنمية - وكالة ضمان الاستثمارات متعددة الأطراف - المركز الدولي لتسوية المنازعات الاستثمارية.
دائرة الخبراء الاقتصاديين* : مركز أبحاث فرنسي.