إسرائيل أوهن من احتلال القطاع... وهذه أسبابنا!
أجرت القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيليّ، يوم الخميس الماضي لقاءً خاصاً مع وزير الأمن الأسبق وقائد هيئة الأركان العامّة خلال عملية «السور الواقي»، التي نفذّها الاحتلال في الضفة الغربيّة المحتلّة عام 2002، إذ سُئل عن رأيه في اقتراح رئيس الدبلوماسيّة في الدولة العبريّة أفيغدور ليبرمان، بإعادة احتلال قطاع غزّة، للقضاء على حركة المقاومة الإسلاميّة (حماس)، فردّ قائلاً إنّه يرفض هذا الاقتراح جملةً وتفصيلاً، مؤكّداً أنّ إسرائيل يجب أنْ تتعاون مع مصر لتضييق الخناق أكثر على غزّة، لمنع المُقاومة من إطلاق الصواريخ باتجاه جنوب دولة الاحتلال.
رئيس جهاز الأمن العام السابق يوفال ديسكين، حذّر في صفحته على موقع التواصل الاجتماعيّ «فيسبوك» من العودة مرّة أخرى لاحتلال غزّة بهدف إسقاط حماس، زاعماً أنّ الحركة أخّف وطأة من الحركات الأخرى الفاعلة في القطاع، ومُشيراً إلى أنّ سيطرة الحركة على القطاع هي أهون الشرور، على حدّ وصفه. أمّا الجنرال في الاحتياط عوزي روبين، الرئيس السابق لمشروع صواريخ «حيتس» للدفاع عن إسرائيل في وزارة الأمن من الصواريخ الباليستية، فأكدّ في دراسة أعدّها ونشرها أنّ مواصلة اعتراض الصواريخ الفلسطينية أقل ثمناً من إعادة احتلال غزة، لافتاً إلى أنّه لا توجد ولن توجد أيّ حكومة إسرائيليّة قادرة على اتخاذ قرار باحتلال غزة بسبب التداعيات الاستراتيجيّة والإقليميّة والاقتصاديّة، بحسب قوله.
في ظلّ حالة الهستيريا التي يعيشها المجتمع اليهوديّ الإسرائيليّ، التي تقترب من الهوس، وفي ظلّ المطالب من قادة سياسيين وعسكريين بتوجيه ضربةٍ قاسيةٍ لحركة حماس في القطاع، بما في ذلك احتلاله، وفي ظلّ العنصريّة المُستشريّة، الممزوجة بالثأر والانتقام، التي تسود الشعب الإسرائيليّ، والتي ارتفع منسوبها كثيراً بعد العثور على جثث المستوطنين الثلاثة، حتى باتت أكثر من عنصريّة وأقّل من فاشيّة، يُطرح وبقوةٍ السؤال التالي: هل صنّاع القرار في تل أبيب يملكون الجرأة على الإقدام على هذه المغامرة، أيْ احتلال القطاع، هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار ما أوردته صحيفة «معاريف» العبريّة، يوم الأربعاء الماضي، والتي قالت نقلاً عن محافل سياسيّة وأمنيّة وصفتها بأنّها رفيعة المستوى، إنّ الجيش لا ينوي الذهاب إلى عملية عسكريةّ واسعة في قطاع غزة، ولا علاقة لها بعملية الخليل، مؤكّدة بخصوص إطلاق الصواريخ من قطاع غزة أن جرى نقل رسائل بين حركة حماس وإسرائيل عن طريق الوساطة المصريّة بشأن رغبة الطرفين في تهدئة الأمور. وشدّدت المصادر على أنّ هذه الأقوال وردت في اجتماع المجلس السياسيّ والأمنيّ المُصغّر (الكابينيت). من هنا يُمكننا الاستنباط بأنّه على الرغم من ضغط الرأي العام في هذه الدولة المارقة، وعلى الرغم من قيام وسائل الإعلام المُتطوعّة لصالح ما يُطلق عليه الإجماع القوميّ الصهيونيّ، تخشى ونُشدّد على مفردة تخشى إسرائيل من القيام بعملية اجتياح بريّة لقطاع غزّة واحتلاله، وهذا التوجّس الذي أصاب العربدة الإسرائيليّة، لا يتعلّق فقط بالأجندة المطروحة على سلّم الأولويات في الدولة العبريّة، إنّما هناك العديد من الأسباب التي تجعل من احتلال قطاع غزّة مهمة شبه مستحيلة.
ولكي نكون على قدرٍ من المسؤولية والشفافيّة والاستقامة الفكريّة، علينا التشديد على أنّ إسرائيل قادرة على تنفيذ المُخطط المذكور بسبب قوتها العسكريّة، وبسبب عدم تكافؤ القوى بينها وبين المقاومة الفلسطينيّة في القطاع من جميع النواحي، ولكن، نميل إلى الترجيح، بأنّ دولة الاحتلال لن تقدم على احتلال القطاع، إنّما ستكتفي بعدوانٍ بربريّ وهمجيّ ووحشيّ، على نسق العدوان الأخير والذي سبقه، بهدف محاولة القضاء على البنية التحتيّة لقوّة حماس العسكريّة. فاستخبارت هذه الدولة تعلم علم اليقين أنّ سكّان قطاع غزّة يملكون الأسلحة من جميع الأنواع والأصناف، وبالتالي إذا تمّت عملية الاحتلال، فإنّ الجنود الإسرائيليين سيتحوّلون إلى أهداف للمقاومة الفلسطينيّة، التي نُرجّح بأنّها استعدّت لسيناريو من هذا القبيل، والمعضلة التي أدخلت إسرائيل نفسها فيها تقول: إذا احتللنا غزّة، ماذا بعد؟ هل سنقوم بتزويد السكّان بالأكل والشرب وتحمل النفقات، كما قال موفاز في المقابلة سالفة الذكر؟ علاوة على ذلك، الاحتلال يُسيطر على الضفّة الغربيّة بالكامل، ويتلقّى العون من الأجهزة الأمنيّة التابعة لسلطة أوسلوستان، وعلى الرغم من ذلك، تمكّن مَنْ تمكّن من اختطاف ثلاثة مستوطنين، ولم يتمكّن جهاز الأمن العام (الشاباك) من العثور على جثثهم إلا بعد مرور 18 يوماً، ومُضافاً إلى ذلك، أنّ الـ«خاطفين» ما زالوا في عداد الأحرار، وبالتالي: هل يقدر جيش الاحتلال على عتاده وسلاحه النوعيّ والتكنولوجيّ المتطوّر والمُتقدّم، إحباط عمليات أسر جنود في القطاع، في حال احتلاله؟ المقاومة الفلسطينيّة للتذكير، أسرت الجنديّ جلعاد شاليط عام 2006 في عملية نوعيّة على الشريط الحدوديّ، ولم تتمكّن إسرائيل من إعادته إلا بعد صفقة تبادل أسرى مع حماس.
إضافة إلى ما ذُكر أعلاه، فإنّ إعادة احتلال القطاع يحمل في طيّاته كثيراً من الخسائر الاقتصاديّة للدولة العبريّة، التي تُعاني أصلاً من أزمة اقتصادية خانقة للغاية، والعملية، إنْ خرجت إلى حيّز التنفيذ، لا سمح الله، ستؤجج الأزمة الاقتصاديّة الإسرائيليّة أكثر فأكثر. ناهيك عن أنّ المقاومة لن تقف مكتوفة الأيدي، وستقوم بإطلاق الصواريخ باتجاه الجنوب وشلّ الحياة اليوميّة لأكثر من مليون إسرائيليّ، وهذا بحدّ ذاته خسارة جسيمة من الناحية الاقتصاديّة والنفسيّة وأيضاً الجسديّة، خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ حماس قامت في العدوان الأخير باستهداف تل أبيب والقدس، بكلمات أخرى، مَنْ يعتقد أنّ احتلال القطاع سيكون بمثابة نزهة، فهو على خطأ.
أمّا من الناحية الأخرى، فإنّ المجتمع الدوليّ، على الرغم من نفاقه ومُداهنته لدولة الاحتلال، يرفض، على الأقّل من الناحية الشعبيّة الاحتلال التوسعيّ، أي أنّ قيام إسرائيل بهذه الخطوة، سيؤجج الرأي العام العالميّ ضدّها، في وقت بات العديد من صنّاع القرار في تل أبيب يُحذّرون من أنّ عُزلة إسرائيل باتت خطراً استراتيجياً لا يقّل خطورةً عن الخطر النوويّ الإيرانيّ، الذي يعتبرونه تهديداً وجوديّاً. علاوة على ذلك، فإنّ رأس حربة الإمبرياليّة العالميّة، الولايات المتحدّة الأميركيّة والقارّة العجوز، في حال قيام إسرائيل بهذه الخطوة، سيجدان نفسهما في ورطةٍ كبيرةٍ من الإحراج والإرباك، ذلك أنّه مهما سيطرت الرأسماليّة وربيتها الصهيونيّة على وسائل الإعلام، إلا أنّ العالم اليوم تغيّر من هذه الناحية، بحيث أنّ الصور والمشاهد المُقززة والتي تقشّعر لها الأبدان، والآتية من غزّة، ستضع هذه الدولة، قيادةً وشعباً، في مصاف إجرام الحرب وحتى ارتكاب جرائم ضدّ الإنسانيّة، وغنيٌ عن الذكر أنّ العديد من القادة العسكريين والسياسيين الإسرائيليين ما زالوا يُلاحقون في أوروبا من قبل منظمات داعمة للقضية الفلسطينيّة في المحاكم الأوروبيّة بتهم ارتكاب جرائم حرب، وغنيٌ عن القول إنّ أيّ مسؤول إسرائيلي يرغب بالسفر إلى خارج البلاد، يتحتّم عليه الحصول على إذنٍ خاصٍ من المستشارين القضائيين في الوزارات المختلفة.
ومع أننّا لا نُعوّل على الحكّام العرب في لجم العدوان الإسرائيليّ، إلا أنّ المصالح التكتيكيّة والاستراتيجيّة تلعب دوراً مهماً في هذه القضية، فعلى سبيل الذكر لا الحصر، الرئيس المصريّ، عبد الفتّاح السيسي، لا ولن يسمح لنفسه ترك الفلسطينيين في القطاع كالأيتام على موائد اللئام، خصوصاً أنّه لم يُقصّر في إغلاق الأنفاق لمنع حماس من تهريب الأسلحة، والعدوان الإسرائيليّ المُفترض لا يستهدف حركة حماس، إنّما يستهدف حوالى مليون ونصف المليون فلسطينيّ يعيشون في أكبر سجنٍ في العالم يُدعى قطاع غزّة.
علاوة على ذلك، فإنّه على الرغم من حالة الذلّ والهوان التي تشهدها الأمّة العربيّة من محيطها إلى خليجها، فلا نعتقد أنّ هؤلاء الحكّام، يقدرون على اتخاذ موقف الحياد في الوقت الذي تقوم فيه إسرائيل بارتكاب المجازر ضدّ السكّان الفلسطينيين في غزّة، وبما أنّ الدول العربيّة، تابعة بالمُطلق لأميركا، فإنّها قادرة أيضاً على ممارسة الضغوطات على الإدارة في واشنطن لمنع دولة الاحتلال من إعادة احتلال القطاع.
نستبعد كثيراً إعادة احتلال قطاع غزّة، ولكن، نتوقّع أنْ تقوم هذه الدولة المعربدة بتوجيه ضربات مؤلمة للمقاومة في القطاع، أشّد من المرّات السابقة، بهدف إسكات الرأي العام، ولأنّ هذه الدولة قامت على العدوانيّة والجرائم والمجازر، ولكن في المُقابل، لا نستبعد أيضاً أن تُقدم المقاومة على إطلاق الصواريخ، التي بحسب المصادر في تل أبيب، لم تُستعمل حتى الآن، والقادرة على ضرب أهداف في عمق الدولة العبريّة.
المصدر: الأخبار