سناء شامي: في تقريظ كتاب «دين العقل وفقه الواق» للدكتور عبد الحسين شعبان
صدر في دمشق عن اتحاد الكتاب العرب كتاب الباحثة الدكتورة سناء شامي، الإيطالية من أصل سوري، الموسوم «إطلالة من نافذة غربية: دين العقل وفقه الواقع – عبد الحسين شعبان».
المقال بقلم: سوزان أبو حسن، كاتبة ومترجمة. المصدر: جريدة الوطن العراقية، العدد 782، الثلاثاء 9_9_2025.
كتاب شعبان كان قد صدر عن مركز دراسات الوحدة العربية في العام 2021، وهو يتألّف من قسمين، الأول يتناول الإطار المنهجي والمفهومي في أربعة مباحث يناقش فيها الحداثة والتقليد، الوعي بالتاريخ والاجتهاد بالإسلام والإسلام والحداثة والإصلاح والتجديد، أمّا القسم الثاني فهو عبارة عن 18 مناظرة مع الفقيه السيد أحمد الحسني البغدادي، طرح فيها شعبان قضايا الإيمان واللاإيمان والدين والإرهاب والدين بين المقدّس والمدنّس والنجاسة والطهارة والعصمة والمعصوم وغيرها من المواضيع المهمة والشائكة. وهذه المفاهيم جميعها عملت الدكتورة شامي على مناقشتها في كتابها من منظور غربي، خصوصًا موضوع فكرة الإسلام ديناً ودولة، مؤكّدةً على العلاقة الأزلية بين الدين والدولة في مختلف الأنظمة الاجتماعية والسياسية، حيث أولتها حيزًا مهمًا فيه.
وكتاب سناء شامي هو إطلالة على كتاب شعبان من نافذة غربية، حيث تقول فيه: ليس بالأمر البسيط أن أقوم بدراسة كتاب مفكر كبير مثل عبد الحسين شعبان، لكنني التمست في عنوان كتابه فضاءً واسعًا لحريّة الفكر، ومفاهيم متنوعة بعيدة عن الصنمية والتحنيط، وهذا ما شجعني على الإقدام على دراسة هذا الكتاب القيّم، ولا سيّما أن الأمة العربية والإسلامية تحيط بها أمواج عالية، وتحتاج إلى إعادة حساباتها وتنظيف مفاهيمها من سموم الماضي والحاضر كي تستطيع العبور بوجودها وهويّتها إلى برّ الأمان.
وفي إهدائها للكتاب كتبت شامي: «إن الإنسان الذي جعل من مبادئه غذاءً لروحه، وروحه الغنية أثمرت فكرًا لا يخاف العثرات، فيتحدّاها تارةً بالعلم وتارة بالأمل واليقين... إلى المفكر عبد الحسين شعبان لسماحه لي بالإبحار في بعض من فكره».
وروت الكاتبة قصة كتابها، وقالت: في صيف 2023، حلّ عليّ دكتور شعبان ضيفًا في مدينة فينيسيا حيث كرّمته رئاسة مجلس بلديتها برحابة صدر واستلمت منه باهتمام نسخة من كتابه باللغة الإنجليزية «التسامح في الفقه العربي الإسلامي».
وأضافت شامي: منذ أن تعرفت على شعبان وقرأت له لاحظت أن شغله الشاغل هو التواصل والتفاعل والمشترك الإنساني، وهذا ما جعله إنسانًا منفتحًا على الحياة وباحثًا يجدّد فكره في جميع الاحتمالات التي ينتقيها ويثق بها، ولحسن حظي كنت أحد انتقاءاته التي وثق بقدراتها من أجل دراسة كتابه من وجهة نظر غربية، حيث ستتصدر طبعة إيطالية للكتاب، والواقع فقد كانت فرصة لأتبادل الرأي مع مفكر عربي بحجمه، علمًا بأنني درست في جامعات عربية (تونس) وفي جامعات إيطالية، وما زلت أعيش في بلدي الثاني إيطاليا.
إن كتاب دين العقل وفقه الواقع ثريّ بالمفاهيم المتعدّدة وهو تحريض على الخوض فيها من خلال الحوار المفتوح، وهو كتاب جريء، خصوصًا المناظرات في الدين والأدب والفقه مع السيد أحمد الحسني البغدادي، حيث تجاوز بأناقة الدور التقليدي للسائل والمجيب بهدف صناعة وعي مشترك بمفهوم جديد.
لقد ميّز شعبان بين الدين وهو رسالة سامية وبين القشور التي تتمسك بها القوى المتطرفة بما فيها في أوروبا، وأبرز دور العقل في خلق التغيير والحداثة، ففي أوروبا أيضًا كان هناك مارتن لوثر الذي فكّر وحلّل وجادل وواجه أعتى سلطة في زمنه.
ويعترف شعبان أن الإصلاح الديني أمر معقد (صفحة 24)، ودعا إلى الحريّة والعدل والمساواة بين البشر على أساس الكرامة الإنسانية.
وحاولت سناء شامي عرض مفاهيم الكتاب وتناولها من زاوية التاريخ الأوروبي، فتقاطعت هنا والتقت هناك، في إطار خريطة جوهرها العقل، فتوقفت عند الحملة الصليبية الأولى وما أسست له من إرهاب ديني وصولًا إلى الحربين العالميتين وما أنتجتا من أيديولوجيات متخبطة إلى زمن النيوليبرالية، دون نسيان ما حصل للعراق وسوريا وما يحدث اليوم في المنطقة.
لم تكن غاية سناء مدح الكتاب وتبيان حسناته، ولا الكشف عن عيوبه وذمّه كما تقول، بل اكتشاف أهميته… لأن مفكرًا موسوعيًا مثل شعبان يعمل على صناعة الأفكار في دروب المعرفة الشائكة، وهذه وظيفة المفكر الفاعل وليس المفعول به أو المتلقّي.
وتختتم مقدمتها بالقول: تقاسمت مع شعبان علاقة الأستاذ بالتلميذ والقارئ بالكاتب، كما اقتسمت معه فكرة مفادها نشر الوعي بين الناس إدراكًا لصعوبة المرحلة ودور الوعي كسلاح لمواجهة أعاصير ما بعد الربيع العربي ولتثبيت جذور الهويّة، فحربنا هي حرب وجود أكثر منها حرب حدود.
كتاب «إطلالة من نافذة غربية: دين العقل وفقه الواقع – عبد الحسين شعبان»، هو كتاب مهم وفريد من نوعه، يتألف من 166 صفحة من القطع الكبير، وصدر في دمشق عن اتحاد الكتاب العرب، العام 2024، وكاتبته الدكتورة سناء شامي حائزة على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية، وهي عضو مؤسس في جمعية البندقية للصداقة العربية -الإيطالية ومسؤولة عن العلاقات الدولية فيها وصحفية وعضو اتحاد الصحفيين الدولي.