حول مفهوم الوحدة الوطنية
تشكل مرحلة التحرر الوطني لشعب محتلة أرضه ومغتصبة إرادته منعطفاً فاصلاً في حياة هذا الشعب، فكيف يقاوم الأخير جلاديه وبأية أدوات وصيغ ينظم المقاومة والقوى الشعبية بمختلف انتماءاتها الفكرية والأيديولوجية وتوجهاتها السياسية.
إن سلامة الصيغة يشكل الضمانة الأكيدة لانتصار الشعب على أعدائه من حيث امتداد طول أو قصر هذه المرحلة المفصلية في تحقيق أهدافه. نستذكر هذا الموضوع في ظل المصالحة الفلسطينية الأخيرة (التي مازالت عقبات كثيرة تعترض تحقيقها بالشكل المطلوب). لذلك تبرز التساؤلات: هل المصالحة فقط هي الهدف؟ وماذا عن الوحدة الوطنية الفلسطينية ؟ كأداة وصيغة في غاية الأهمية للشعب الفلسطيني والفصائل المتعددة, الذي مازال يعيش في مرحلة التحرر الوطني (بغض النظر عن إنشاء السلطة الفلسطينية بعد اتفاقيات أوسلو المشؤومة) فإنه ما يزال يعيش في خضم هذه المرحلة (وواهم كل من يتصور أن شعبنا الفلسطيني تجاوزها). ألا تشكل الوحدة الوطنية الفلسطينية هدفاً مرجواً؟ نعم، فإن كل تجارب حركات التحرر الوطني التي كللت نضالاتها بالانتصار المؤزر على أعدائها كان لها تجاربها الوطنية على صعيد الوحدة, التي جمعت كل القوى وفصائل الشعب في معركة تحرره، ولعل التجربة الفيتنامية تشكل المثال الأبرز على هذا الصعيد، فجبهة التحرير الفيتنامية جمعت كل قوى وفصائل الشعب الفيتنامي.
في الحالة الفلسطينية، فإن منظمة التحرير الفلسطينية شكلت صيغة لوحدة الفصائل في الستينات والسبعينات حتى بداية الثمانينيات ومن ثم كان التباين السياسي وصولاً إلى حد الافتراق، فصائل كثيرة خرجت من المنظمة، وأخرى جديدة تشكلت فيما بعد ولم تدخل في إطارها وبقيت خارجها. ومع اتفاقية أوسلو والانقسام في عام 2007 تراجعت الوحدة الوطنية الفلسطينية ووصلت حدود الانعدام, بغض النظرعن النجاحات التي حققتها الفصائل الفلسطينية في تجربة الانتفاضة الفلسطينية الأولى من خلال القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة, التي لم تستكمل أهدافها ولم تحقق شعاراتها وجرى قطف ثمار نتائجها وتجييرها لصالح المساومة على حقوق وطنية أساسية للشعب الفلسطيني. وبغض النظر عن مدى اتساع موضوع الوحدة الوطنية وتشعب جوانبه وهو ما لا تسمح به هذه العجالة، فإننا سنتطرق إلى أهم الشروط الكفيلة بإنجاح صيغة الوحدة الوطنية كأداة مقاومة وشرط ضروري لقيادة معركة التحرر الوطني والوصول إلى تحقيق الاهداف وتحقيق النصر على العدو، ولعل من أبرز هذه الشروط:
أولاً:مفهوم الوحدة الوطنية كأداة عريضة وصيغة عملية لتوحيد قوى الشعب وفصائله الوطنية وكشرط أساسي وجوبي للانتصار، وبدون هذه الصيغة تبقى قوة الشعب مشتتة، متفرقة، وعرضة للصراعات الجانبية فيما بينها على حساب التناقض الرئيسي الجذري مع العدو، الوحدة لا تتطلب وحدة نظرية أيديولوجية ومنطلقات فكرية موحدة لفصائل النضال الوطني والصيغة الأمثل لهذه الوحدة من خلال الجبهة الوطنية الواحدة العريضة.
ثانياً: امتلاك البرنامج السياسي على أرضية القواسم المشتركة المستندة إلى الثوابت الوطنية وعمادها الحقوق الوطنية للشعب الذي يناضل من أجل تحقيقها دون المساومة على هذه الحقوق. امتلاك مثل هذا البرنامج كفيل بأن يكون الخلفية اللازمة للحركة السياسية اليومية للجبهة, وهي ضرورة موضوعية لكسب التأييد لأهداف هذا الشعب على المستوى الإقليمي والدولي. وفي الحالة الفلسطينية لكسب وتنظيم القوى المساندة على الساحة العربية والساحة الدولية، أي المزج بين الخصوصية الوطنية والبعد القومي للصراع ذو الامتدادات الدولية على الساحة العالمية.
ثالثاً: امتلاك الوضوح الاستراتيجي للأهداف ومن دون ذلك تبقى الجبهة الموحدة عرضة أكيدة للتصدع وتفريق قوى الشعب ونضالاته وتشتيتها. أيضاً لا بد من تحقيق متطلبات هذا الوضوح في المواءمة ما بين الحركة /التكتيك السياسي والهدف الاستراتيجي بحيث يخدم كل منهما الآخر، وجود التناقض بين المسألتين عامل أساسي في تدمير الجبهة الواحدة وتفريق قواها وحدوث الانشقاقات والانقسامات المتعددة فيما بين فصائلها.
رابعاً: في الحالة الفلسطينية، فإن الوحدة والتلاحم بين نضالات الشعب الفلسطيني والقوى الوطنية العربية هي ضرورة موضوعية، فالعدو الصهيوني هو عدو وخطرعلى للفلسطينيين كما هو عدو وخطر على الأمة العربية من محيطها إلى خليجها. الأمة العربية اعتبرت القضية الفلسطينية قضيتها المركزية الرئيسية، وإن تغيب هذا الشعار خلال المرحلة الحالية فلظروف تمر بها العديد من الدول العربية عنوانها الرئيسي: ملحاحية القضايا الداخلية التي وصلت إلى حدود الأزمة التي أدت إلى انفجارات عديدة.
خامساً: امتلاك الجبهة لبرنامج مقاومتها للعدو والذي لا يستثني شكلاً من أشكالها ويجمع بين كافة الأشكال والوسائل ولعل من أبرزها: المقاومة المسلحة، وهذا لا يلغي كافة الأشكال الأخرى من المقاومة. دون هذا البرنامج الواضح والأساسي والضروري كأداة رئيسية بين يدي الشعب والجبهة لتحقيق طموحاته وأهداف النضال الوطني فإنه لا نجاح لجبهة تستثني شكلاً رئيسياً مقاوماً من الأشكال. ولا هدنة مع العدو الذي ما يزال محتلاً لإرادة الشعب ولأرضه. لقد أثبتت كافة تجارب النضال الوطني على صعيد القارات الثلاث: أهمية الكفاح المسلح في مقاومة العدو.
سادساً: عدم تفرد فصيل بالقرارات والخطوات المتخذه في الجبهة، وعدم الاستئثار من قبل أحد الفصائل بالجبهة، وتحقيق المبدأ الديمقراطي في التعامل بين الفصائل المنتمية للجبهة ونشاطاتها وقراراتها المتخذة وتنفيذها. مشاركة كل الفصائل في النشاطات والوفود والهيئات التابعة للجبهة وفق مبدأ التمثيل النسبي، وحل كافة الخلافات والتعارضات بين الفصائل في إطار الجبهة.
سابعاً: الاستناد إلى الشعب وتوجهاته ورأيه في هذه القضية المفصلية أو تلك. يظل الشعب هو الملهم الأساسي والرئيسي للجبهة. وتحقيق التلاحم بين الشعب وجبهته الوطنية العريضة ذو اهمية كبيرة.
هذه من أبرز أسباب نجاح الوحدة الوطنية واستمرارية جبهتها ومن دون تحقيق هذه الجبهة يظل أحد الشروط الرئيسية للانتصار مفقوداً وتتشتت قوى الشعب ونضالاتها.
المصدر: القدس العربي