ضابط سابق في CIA: لم يعد ممكناً تجاهل الوحش الذي أصبحته «إسرائيل»!
إذا كنت تتساءل لماذا أو كيف تكون التغطية الإعلامية السائدة لما يجري في غزة متحيزة إلى الحد الذي يجعل الأمر يبدو وكأنه حرب حقيقية بين خصمين مسلحين جيداً ومتنافسين بدلاً من مذبحة للمدنيين، فلا تتساءل بعد الآن!
25 نيسان 2024
ترجمة قاسيون
إذا كنت تتساءل لماذا أو كيف تكون التغطية الإعلامية السائدة لما يجري في غزة متحيزة إلى الحد الذي يجعل الأمر يبدو وكأنه حرب حقيقية بين خصمين مسلحين جيداً ومتنافسين بدلاً من مذبحة للمدنيين، فلا تتساءل بعد الآن!
كشف مؤخراً، تسريب عن وثيقة داخلية لصحيفة نيويورك تايمز، الإرشادات التحريرية الداخلية ضمن الصحيفة، حول الكلمات التي لا ينبغي استخدامها في أي مقال يتعلق بغزة أو فلسطين. تشتمل قائمة الكلمات المحظورة، بين ما تشمل، كلمات «الإبادة الجماعية»، و«التطهير العرقي»، و«الأراضي المحتلة»، وحتى كلمة «فلسطين» نفسها!
ومن الواضح أن القصد هو إزالة أي كلمات يمكن أن تحمل دلالات سلبية من وجهة النظر «الإسرائيلية»، ومن وجهة نظر الأفعال التي تقوم بها «إسرائيل»، بل وحتى جرى الذهاب إلى أبعد من ذلك بحيث لا تتضمن المقالات أي إشارة إلى أن فلسطين نفسها قد تعتبر كياناً سياسياً شرعياً. وفي الوقت نفسه، تسمح وسائل الإعلام بسماع الحجج القائلة بأن قتل «الإسرائيليين» للفلسطينيين أمر مبرر لأنهم جميعاً «إرهابيون»، حتى الصغار بذريعة أنهم سيكبرون ليصبحوا أعداء لـ«إسرائيل» ولليهود في جميع أنحاء العالم.
وإلى حد كبير، فإن الصهاينة أنفسهم هم الذين خلقوا الحاجة إلى فرض رقابة على اللغة المستخدمة لوصف التطورات بين «إسرائيل» وجيرانها؛ وذلك لأن «إسرائيل»، التي تحتل بحكم الأمر الواقع وبشكل غير قانوني كل فلسطين التاريخية، جعلت من نفسها على المستوى القانوني «الدولة القومية للشعب اليهودي» [مع إصدار قانون القومية] في عام 2018، وذلك على الرغم من أن مواطنيها المسيحيين والمسلمين كانوا يشكلون في ذلك الوقت حوالي 20٪ من السكان.
وبعبارة بسيطة، فإن الدولة اليهودية لا تستطيع في الوقت نفسه أن تكون ديمقراطية لكل مواطنيها، مثلما لم يعد بوسع الولايات المتحدة أن تصبح دولة مسيحية، لذا فمن الضروري تحويل الانتباه بعيداً عن هذا التناقض. وهناك درجات أخرى من عدم الارتياح تنبع من تلك الضرورة، بما في ذلك حقيقة أن المؤمنين اليهود المتدينين يتبعون في الواقع الوصايا العشر، بما في ذلك «لا تقتل!»، في حين أن إسرائيل لا تفعل شيئاً سوى القتل منذ تأسيسها، فضلاً عن الكثير من الانتهاكات لعبارات مثل «لا تسرق» و«لا تشهد على قريبك شهادة زور!»... لذا، وبدلاً من التصرف بشكل أفضل ومحاولة العيش بسلام مع جيرانها، اختارت «الدولة اليهودية» بدلاً من ذلك اختراع ملحمة أسطورية جزئياً عن دورها كضحية، يشار إليها باسم «الهولوكوست»، واصفةً جميع ردود أفعالها المفرطة المميتة بأنها ردود ضمن إطار «الحق المشروع في الدفاع عن النفس».
وهذا بدوره أدى إلى ظهور خط دفاع آخر، وهو ما أصبح الصناعة الافتراضية التي يمكن الإشارة إليها على أنها السعي وراء «معاداة السامية». ولجعل الأمر خطيراً حقاً بالنسبة للمواطنين الأمريكيين العاديين الذين ما زالوا يعتقدون أنه من الممكن انتقاد سلوك الدول الأجنبية، فقد التقط السياسيون شعار «معاداة السامية» بكل إخلاص وقاموا بتحويله إلى قوانين خاصة على مستوى الولايات تسمح بمعاقبة الأشخاص الذين يحاولون انتقاد «إسرائيل».
ويقدم السياسيون على المستوى الفيدرالي [على المستوى الوطني الأمريكي] في الكونجرس أيضاً مشاريع قوانين من شأنها أن تطبّق قيوداً مماثلة في جميع أنحاء البلاد، ما سينجم عنه أننا سنودع نهائياً التعديل الأول [في الدستور الأمريكي] الذي يضمن حرية التعبير والكلام.
الاضطرابات الحالية في «المخيمات» [المقصود هو مخيمات الاعتصام الطلابية] و«المناطق المحررة» المؤيدة للفلسطينيين في 33 حرماً جامعياً في الولايات المتحدة، تأتي احتجاجاً على ما يبدو واضحاً أنه إبادة جماعية تحدث في غزة، وتدعو إلى وقف إطلاق النار ووقف الاستثمار المؤسسي في «إسرائيل» بالإضافة إلى تعليق العلاقات مع الهيئات التعليمية الحكومية «الإسرائيلية».
ونتيجة لذلك، يتم تصنيف الحركة باستمرار على أنها مظهر من مظاهر «معاداة السامية» من قبل الكونجرس، ومن قبل جو بايدن في البيت الأبيض، ومن قبل جميع وسائل الإعلام الرئيسية تقريباً. يقول رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو، في رده على الاضطرابات، إن «الغوغاء المعادين للسامية استولوا على الجامعات الرائدة» على غرار المسيرات النازية في الثلاثينيات، ودعا إلى شن حملة أمنية كبيرة على المتظاهرين.
وينبغي أيضاً ملاحظة أنّ رد فعل الجامعات [المقصود هو الهياكل الإدارية للجامعات] جاء متسقاً إلى حد ما، مع كل من الكونغرس والبيت الأبيض ووسائل الإعلام الرئيسية؛ أي عبر كتم أصوات المجموعات الفلسطينية أو المتحدثين في الحرم الجامعي من المناصرين لفلسطين، وبالمقابل ترك المجموعات التي تدعم تصرفات «إسرائيل» لتقوم بما يحلو لها؛ ما يشير بوضوح إلى أن هذا السلوك لا يمثل تجاوباً عادلاً ومتوازناً مع الاضطراب السياسي الجاري.
رئيس مجلس النواب، مايك جونسون، الذي أوضح بما يكفي مشاعره المؤيدة لـ«إسرائيل»، تحدث في جامعة كولومبيا، حيث بدأت الحركة، يوم الأربعاء، مؤكداً رفضه الآراء التي تقول بأن الاحتجاجات محمية قانوناً عبر الحق في حرية التعبير. كان يخاطب من يعتقد أنهم «طلاب يهود»، ولكن مع ذلك تعرض لمضايقات من قبل المتظاهرين عندما قال إن الجامعة يجب أن تستعيد النظام في الحرم الجامعي وأنها «فشلت في حماية الطلاب اليهود وسط مخاوف بشأن معاداة السامية داخل الحرم الجامعي وحوله. هذا أمر خطير. نحن نحترم حرية التعبير، ونحترم تنوع الأفكار، ولكن هناك طرق قانونية للتعبير، وهذا ليس هو الحال هنا».
وفي معرض حديثه عن إدارة جامعة كولومبيا، تساءل جونسون بحزن: «إنهم لا يستطيعون حتى ضمان سلامة الطلاب اليهود؟ هل من المتوقع منهم [من الطلاب اليهود] أن يهربوا للنجاة بحياتهم، وأن يبقوا في منازلهم؟ إنه لأمر جنوني».
لو كان رئيس مجلس النواب قد أجرى المزيد من التحقيق لكان قد علم أن جميع حالات «معاداة السامية» المزعومة تقريباً في الحرم الجامعي قد تم تضخيمها إلى حد كبير من قبل منظمات مثل رابطة مناهضة التشهير (ADL)، التي كان مديرها جوناثان غرينبلات من أهم مثيري الاضطرابات في دعواته إلى توجيه تهم جنائية ضد كل من يتهمهم بـ«كراهية اليهود». [ADL اختصار لـ Anti-Defamation League وهي مؤسسة صهيونية معروفة تمارس الترهيب ضد كل من يتخذ موقفاً مضاداً لـ«إسرائيل»، وخاصة في الجامعات، بما في ذلك عبر الضغط على الشركات لتدمير المستقبل الوظيفي للطلاب الذين يناهضون «إسرائيل»].
ومن الواضح أنه لا غرينبلات ولا جونسون، وهو نفسه مسيحي صهيوني، منزعج على الإطلاق من حقيقة أن «إسرائيل» ذبحت ما يزيد على 40 ألف مدني غير مسلح، بما في ذلك العديد من الأطفال. وهي حصيلة قتلى تشمل تعذيب وقتل السجناء بأسلوب الإعدام، ومقابر جماعية للضحايا، والتدمير المتعمد للمستشفيات والمدارس والكنائس. بل إنه يشمل أيضاً استئصال أعضاءٍ حية من الأسرى والجثث، للمتاجرة بها، وهو النشاط الاقتصادي الذي تحظى «إسرائيل» بسمعة متطورة فيه، ولها زبائنها الدوليون في هذا المجال. لكن مثل هذه التفاصيل تعتبر غير مثبتة أو حتى لا علاقة لـ غرينبلات وجونسون بها، كما هو الحال مع حقيقة أن العديد من اليهود الأمريكيين ذوي الضمائر يشاركون في المظاهرات. ومن المفترض أن يتم تصنيفهم قريباً على أنهم «يهود كارهون لأنفسهم» لكي تكتمل السردية الرسمية المعتمدة.
من الصعب أن نتجاهل الوحش الذي أصبحته «إسرائيل»، في عهد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وعصابته من البلطجية. عندما رد وزير الأمن القومي «الإسرائيلي» إيتمار بن غفير على التقارير التي تفيد بأن زنازين الاعتقال قد ملئت عن آخرها في «إسرائيل» بحوالي 10 آلاف أسير فلسطيني... حين كان الحل الذي اقترحه بن غفير هو «إخراج بعضهم وقتلهم لإفساح المجال لآخرين... وحينها لم نسمع أي رد من واشنطن. ربما يكون الحل الأفضل هو إطلاق سراح غالبية هؤلاء السجناء، المحتجزين دون تهم، لأن سجن الأشخاص دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة يعتبر غير مقبول في معظم الدول المتحضرة التي تعمل تحت «سيادة القانون»، والتي تعتبر كل من «إسرائيل» وولايات جو بايدن المتحدة، بينها، ولكنهما وضوحاً ليستا كذلك.
لذا، فإنني أرحب بتمرد الطلاب ضد الفظائع «الإسرائيلية»، على الرغم من أنهم يواجهون بالفعل موجة هائلة من القمع من سلطات الجامعات وحتى من الخريجين الذين يحجبون التبرعات ويشكلون أيضاً مجموعات تقدم المشورة لأصحاب العمل المحتملين بأسماء الطلاب الذين يُنظر إليهم على أنهم مناهضون لـ«إسرائيل»، ومن المفترض أنهم سيحرمونهم من العمل بعد التخرج. تشارك الجامعات نفسها في تعليق دراسة أو طرد المتظاهرين، بما في ذلك عبر رسالة بريد إلكتروني أرسلتها جامعة برينستون إلى جميع الطلاب يوم الأربعاء تهدد فيها بأن الطلاب المشاركين في الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين مثل تلك الموجودة في كولومبيا وييل وجامعات أخرى سيتعرضون «للاعتقال والسجن والحرمان من دخول الحرم الجامعي ثم الطرد». وفي الوقت نفسه، سيُطلب من السلطات المدنية الاستمرار في اعتقال المتظاهرين، عند الضرورة، باستخدام موارد الشرطة والحرس الوطني. كل هذا يذكرنا بإطلاق النار على الطلاب المتظاهرين السلميين في جامعة ولاية كينت قبل 54 عاماً! ويدعو السيناتور توم كوتون من ولاية أركنساس، وهو أحد المستفيدين الرئيسيين من أموال اللوبي «الإسرائيلي»، إلى مواجهة المتظاهرين، الذين يصفهم بـ «المجرمين المؤيدين لحماس»، من قبل المواطنين الغاضبين الذين يجب عليهم «أخذ الأمور بأيديهم» وبشكل مباشر لمعاقبة «الجناة»!
في الوقت نفسه، فإن حكومة هذا البلد العادل، التي أصبحت المدافع الدائم عن «إسرائيل»، سوف تصرخ في انسجام تام بأن المتظاهرين «معادون للسامية» وحتى «إرهابيون» متحالفون مع حماس، الأمر الذي من شأنه أن يجعل أي إجراء ضدهم مقبولاً من قبل وسائل الإعلام وصناع الرأي. لن تكون هناك كلمة انتقادية حول ما تفعله «إسرائيل» باستثناء المناشدات الغامضة على غرار ما يفعل بايدن لاتخاذ بعض الخطوات «الإنسانية» لتقليل عدد القتلى، والتي يتجاهلها نتنياهو بشكل روتيني. على العكس من ذلك، يكافئ الكونجرس وبايدن «إسرائيل» على سلوكها بمنحة المساعدات الخارجية الأخيرة التي قدموها بقيمة 26 مليار دولار لإعادة تسليح الدولة اليهودية، وهو ما لم تعد واشنطن المثقلة بالديون قادرة على تحمله على الرغم من ادعاء بايدن أن الهدية «ستجعل العالم أكثر أماناً» وسيُذكر يوم الهدية هذا على أنه «يوم جيد للسلام العالمي». ومن المفارقات أن جزءاً من الأموال مخصص لـ «المساعدات الإنسانية» التي قد توحي بأنّ جزءاً منها ربما يذهب للفلسطينيين، ولكن بما أن الولايات المتحدة ترفض التعامل مع وكالة الأمم المتحدة (الأونروا) ومن المؤكد أنها لن تعمل مع ما تبقى من حكومة حماس القائمة في غزة، لا شك أن «إسرائيل» سوف تحد من المساعدات وتسيطر عليها، تماماً كما تفعل الآن. إن الكيفية التي تتعامل بها «إسرائيل» مع الولايات المتحدة باعتبارها متاعاً ومصدراً للمال والأسلحة وغطاء سياسياً غير محدود دون تقديم أي شيء على الإطلاق في المقابل باستثناء الاضطرابات المستمرة والتواطؤ في جرائم ضد الإنسانية، هو ما يجب أن تدور حوله القصة الحقيقية. يمكن للمرء أن يأمل فقط أن شجاعة الطلاب الذين بدأوا بعض المقاومة بمعسكرهم في كولومبيا سوف تنتج بعض الفهم بين الجمهور الأمريكي حول كيف أن الإذعان غير النقدي لـ "الاحتياجات" والمصالح «الإسرائيلية» قد أفسد الولايات المتحدة بشكل خطير وربما يؤدي إلى إيصال كلا البلدين لحافة الخراب.
فيليب إم جيرالدي: هو ضابط سابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، عمل فيها لمدة 18 عاماً، ويعمل منذ سنوات ككاتب عمود ومعلق تلفزيوني، ويرأس «مجلس المصلحة الوطنية» وهو منظمة تدعو لسياسات أمريكية أقل تدخلية في شؤون الشرق الأوسط.
المصدر: Students Are Taking the Lead in Denouncing Gaza Atrocities