الاستسلام "الإسرائيلي" للضغوطات الأمريكية
أثار قرار جيش الاحتلال "الإسرائيلي" سحب خمسة ألوية قتالية من غزة في اليوم الأخير من العام الماضي، تساؤلات، حول مسار العملية البرية "الإسرائيلية" داخل القطاع.
بعدما أعلنت إذاعة جيش الاحتلال، أنه: "بعد تقييم الأوضاع والعملية العسكرية تقرر سحب 5 ألوية من الجيش "الإاسرائيلي" من قطاع غزة". وأشارت إلى أنه من بين الألوية الخمسة، تم سحب لواءين من قوات الاحتياط.
تلا ذلك إعلان مسؤول أمريكي أن قرار "إسرائيل" سحب بعض قواتها هو بداية تحول تدريجي إلى عمليات أقل كثافة، حيث قال: "يبدو أن هذا هو بداية التحول التدريجي نحو عمليات أقل كثافة في الشمال والتي كنا نشجعها، وهو ما يعكس النجاح الذي حققه الجيش "الإسرائيلي" في تفكيك القدرات العسكرية لحماس هناك. غير أنني أودّ أن أحذر من استمرار القتال في الشمال، وهذا لا يعكس حدوث أي تغيير (للوضع) في الجنوب".
بالتزامن مع ذلك قررت المحكمة العليا "الإسرائيلية"، في اليوم الأول من هذا العام، إلغاء تعديل "قانون أساس: القضاء" الذي يحد من قدرة المحاكم "الإسرائيلية" على تطبيق ما يعرف باسم "معيار المعقولية".
واعتبرت المحكمة العليا "الإسرائيلية" أن الكنيست تجاوز سلطته "التأسيسية (الدستورية)"، وأن القانون يحد من صلاحيات السلطة القضائية. وأيد القرار 8 قضاة على رأسهم رئيسة المحكمة المنتهية ولايتها، ومعارضة 7 قضاة، أي بأغلبية قاض واحد. وكانت المحكمة قد نظرت في 12 أيلول الماضي، بكامل هيئتها القضائية المكونة من 15 قاضياً في التماسات ضد تعديل "قانون أساس: القضاء"، بما يحد من قدرة المحاكم "الإسرائيلية" على تطبيق ما يعرف باسم "معيار المعقولية" على القرارات التي يتخذها المسؤولون المنتخبون، بما في ذلك إلغاء هذه القرار بذريعة عدم معقوليتها.
ويسمح معيار المعقولية للمحاكم، بما في ذلك المحكمة العليا، بإلغاء قرارات المسؤولين المنتخبين، إذا اعتبرت أنها قرارات "غير معقولة".
وصادقت الهيئة العامة للكنيست في تموز الماضي على قانون الحد من ذريعة عدم المعقولية بعد تمريره بالقراءتين الثانية والثالثة، وذلك على وقع احتجاجات واسعة شهدتها "إسرائيل" ضد القانون الذي يعتبر واحداً من 8 مشاريع قوانين طرحتها الحكومة، ضمن خطتها لإضعاف جهاز القضاء، التي تصفها المعارضة بـ"الانقلاب القضائي".
حيث اتهم وزير العدل "الإسرائيلي"، ياريف ليفين، المحكمة العليا بـ"الاستيلاء على جميع السلطات" بعدما أبطلت بنداً رئيسياً في قانون حكومة بنيامين نتنياهو للإصلاح القضائي المثير للجدل.
وقال ليفين الذي يقف وراء الإصلاح القانوني في تدوينة على "تليغرام": "بإصدار الحكم يستولي القضاة على جميع السلطات التي يتم تقسيمها في النظام الديمقراطي بطريقة متوازنة بين السلطات الثلاث".
وأضاف أنه يحرم ملايين المواطنين من أصواتهم وحقهم الأساسي في أن يكونوا شركاء على قدم المساواة في صنع القرار. وذكر أن نشر الحكم أثناء الحرب هو عكس روح الوحدة المطلوبة لنجاح الجيش على الجبهة. كما اعتبر حزب "الليكود"، بزعامة نتنياهو، "قرار المحكمة العليا يتعارض مع إرادة الشعب في الوحدة وخاصة في وقت الحرب".
وكان الرئيس "الإسرائيلي" إسحاق هرتسوغ قد دعا إلى وقف هذه العملية التشريعية، واصفاً المشروع بأنه "تهديد لأسس الديمقراطية".
وفي الوقت ذاته أي في اليوم الأول من هذا العام أبلغت الولايات المتحدة "إسرائيل" أن حاملة الطائرات "فورد" ستغادر البحر الأبيض المتوسط في الأيام المقبلة.
وذكرت صحافة الكيان الصهيوني أن "إسرائيل" ليست قلقة من التقارير التي تفيد بأن حاملة الطائرات الأمريكية والسفن المرافقة لها ستغادر المنطقة، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة أوضحت أن لديها قوات كافية في المنطقة، وأنه سيتم إرسال سفن إضافية إذا دعت الحاجة.
ووفقاً لتقرير نشرته شبكة ABC الأمريكية فإن أكبر حاملة طائرات أمريكية كانت تقترب من نهاية انتشارها العملياتي عندما تم إرسالها إلى البحر الأبيض المتوسط في اليوم التالي لبداية طوفان الأقصى، مع البوارج الخمس التي رافقتها.
وأشار مسؤول أمريكي إلى أن عودة حاملة الطائرات إلى قاعدتها في نورفولك بولاية فيرجينيا تسير في الموعد المحدد، ورجح مصدر للشبكة الأمريكية أن تكون مغادرة القطعة البحرية الحربية الأكبر في العالم، تعبيراً عن الاستياء الأمريكي من حكومة رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو.
بوضع هذه القضايا جنباً إلى جنب يمكننا التوصل إلى نتيجة أن "الإسرائيليين" حتى الآن يخضعون جزئياً للطروحات الأمريكية، حيث يعتبر سحب القوات من غزة إشارة ما (وليس تأكيداً) إلى أنهم ينفذون الاقتراحات الأمريكية فيما يتعلق ب"تخفيض حدة الضربات" حسب التعبيرات الأمريكية.
أما بالنسبة لقضية إلغاء تعديل قانون أساس القضاء فقد كانت الإدارة الأمريكية ضد هذا التعديل وتضغط لمنعه، وهو ما جعل المحكمة العليا مستفيدة من الظرف السياسي الحالي الآن، تأخذ القرار بإلغاء هذا التعديل، وبالوقت نفسه يسحب الأمريكيون حاملة الطائرات، أي أن الخطر الذي كانوا يتوجسون منه لم يعد كبيراً، بحيث سحبوا أحد حاملات الطائرات وتركوا الأخرى، قد يكون هذا هو تفسير هذه الإجراءات.
حتى وقت قريب كانت طريقة التفكير الإسرائيلية ما بعد طوفان الأقصى، تعيق المخططات الأمريكية لإبقاء الحرب عند مستوىً محدد يخدم أغراضها في المنطقة، ومن الواضح اليوم أن هناك تغييراً ما مع بداية العام الجديد حيث تأخذ "مسايرة" الأمريكان منحى جلياً، وربما لن يكون بعيداً ضمن هذا الاطار التفكير بالإطاحة بنتنياهو ما قد يعني تعميقاً لمجرى السياسات الأمريكية في الكيان الصهيوني اليوم أكثر مما مضى.