النهوض العالَمي ضدّ الاستعمار الجديد وفاشيّة الدولار
صرّح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في 11 أيلول الجاري بأنّ «الخط المثير للسخرية الواضح للاستعمار الجديد الذي يتبناه الغرب الجماعي ترفضه بشكل متزايد الأغلبية العالمية التي تعبت بصراحة من الابتزاز والضغوط، بما في ذلك باستخدام القوة ومن حروب المعلومات القذرة والألعاب الجيوسياسية ذات المحصلة الصفرية».
جاءت تصريحات لافروف في مقال له لصحيفة «روسيسكايا غازيتا»، حيث شدّد أيضاً على أنّ دول الجنوب والشرق العالميَّين تريد أن تقرّر مصيرها بنفسها وتمارس السياسية الخارجية والداخلية اعتماداً على مصالحها الوطنية.
في هذا السياق يمكن أيضاً تذكّر تصريحات سابقة للافروف، في مقابلة له (في أيار 2022) مع وكالة شينخوا الصينية، حيث قال "من الواضح أنّ محاولات الغرب الجماعي لعرقلة المسار الطبيعي للتاريخ وحلّ مشكلاته على حساب الآخرين محكوم عليها بالفشل"، مضيفاً بأنّ "عالَم اليوم فيه عدة مراكز لصنع القرار، إنه متعدد الأقطاب. نرى كيف تتطور بلدان آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية بشكل ديناميكي".
كذلك يمكن تذكر المواقف التي عبّر عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عدة مرات، وبشكل خاص منذ نحو عام من الآن، أثناء كلمته المطوّلة في الكرملين بتاريخ 30 أيلول 2022، بمناسبة توقيع اتفاقيات انضمام دونيتسك ولوغاسك وزاباروجيا، وخيرسون إلى الدولة الروسية، حيث كان لافتاً آنذاك تركيز بوتين لمعظم خطابة على انتقاد الممارسات الاستعمارية القديمة والجديدة للنخب الغربية ونهبها للعالَم تاريخياً وحاضراً، وأنّ ما يجري اليوم هو نهاية هذا العالَم أحادي القطب إلى غير رجعة، لافتاً إلى أهمية تعاون شعوب العالَم في الوقوف بوجه هذه الهيمنة فيما وصفها بأنها «حركة التحرّر المناهضة للاستعمار وضد الهيمنة أحادية القطب التي تطور بالفعل داخل أكثر البلدان والمجتمعات تنوعاً وستكون القوة التي ستحدد الواقع الجيوسياسي في المستقبل».
بالفعل لم يطل الأمر حتى تكشّفت الأحداث التاريخية التي تسارعت خلال أشهر عاصفة بالتغييرات، عن مزيد من تعزيز هذا الاتجاه العام العالَمي النازع إلى التحرّر من سطوة القوى الاستعمارية والإمبريالية في أجزاء مهمّة من العالَم، سواء بالمعنى الاقتصادي، مثل تعزز التقارب بين الشرق وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وضمن ذلك تعزيز إطار بريكس الذي يجمع دولاً أساسية في هذه القارات الثلاث ضدّ التمركز الأساسي لرأس المال المالي العالمي بشكله الإمبريالي في "الغرب" (الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا). وكذلك حتى بالمعنى العسكري المباشر؛ فعدا عن تواصل المعركة مع قوى الفاشية الدولية وحلف الناتو على الجغرافيا الأوكرانية والروسية، نشهد تساقط النفوذ الفرنسي الاستعماري في إفريقيا، من بوركينا فاسو إلى النيجر ودول أخرى.
التغيرات السياسية والعسكرية بالجوهر تعبير عن تغييرات اقتصادية عميقة يشهدها العالَم اليوم، وفي القلب منها ليس فقط طرح مصير الدولار على طاولة البحث، بل انتقل الأمر من الطرح إلى خطوات أبعد بالتنفيذ العملي لعملية الإطاحة بالدولار كعملة عالمية، حيث يلعب تكتل بريكس وتوسعه ومشروع عملته الجديدة دوراً أساسياً في ذلك.
أهمية الإطاحة بالدولار لقضية التحرر من الاستعمار
لا يمكن فهم أهمّية التغييرات الاقتصادية العالمية المنقلبة على الدولار الأمريكي في العالَم لقضية التحرر من الاستعمار والاستعمار الجديد، دون أن نبقي في الذهن دوماً الخصوصيّة التاريخية لهذه العملة، فالدولار ليس نقد التداول العالمي فقط، بل هو الأداة المكثفة لمنظومة الهيمنة المالية العالمية، وبالتالي فإن الانقلاب عليه وإيجاد بدائل عنه هو ضربة في صميم قلب النخبة الغربية المهيمنة على الاقتصاد العالمي.
وإذا نظرنا إلى معدّل الربح الهائل الذي تحققه نخبة رأس المال المالي العالمي من طباعة الدولار بلا أيّ ضابط يستند إلى ربطه ببضائع حقيقية ذات قيمة، حيث تتم عملية نهب كبرى في كلّ مرة يتم فيها طباعة ورقة مثل الـ 100 دولار مثلاً، لا تكلّف سوى سنتات قليلة، ويفرض حاملها على العالَم أن يحصل بموجبها على بضائع وثروات حقيقية لم يسهم في إنتاجها، ويحصل على معدل ربح يقارب أو يفوق 70 ألفاً بالمئة! إذا نظرنا إلى هذه العملية من وجهة تعريف "الفاشية" الكلاسيكي الذي صاغه المناضل الأممي جورجي ديمتروف، في الكومنترن، إبان صعود فاشية مطلع القرن الماضي، بأنها التعبير عن الشريحة الأكثر إجرامية ورجعية وديكتاتورية سافرة من رأس المال المالي العالمي، نجد أنّ الدولار والمتمسكّين به بهذا المستوى الفلكي من النهب، لم يعودوا يعبّرون فقط عن النخبة الإمبريالية العالمية، بل وبالتحديد عن شريحتها الأكثر استعماريةً وإجراماً. ولذلك فإنّ المعركة العالمية ضد الدولار اليوم هي معركةٌ مباشرة مع «قيادة أركان» الفاشية الجديدة العالمية، ومعركة تحرّرية ضرورية للانتقال إلى عالَم أكثر عدالة.