رسائل صينية «بمسدّسات الماء» وأمريكا المأزومة تستعين بأصغر الجزر
تواصل الولايات المتحدة الأمريكية بين وقت وآخر تحركاتها المتعمّدة ضدّ الصين في بحر الصين الجنوبي، إما عبر البوارج الحربية الأمريكية، أو الزجّ بحلفائها لمزيد من «التحرّشات» بالصين، وهذا ما ظهر مثلاً في حادثة دفع 4 سفنٍ فليبينية الأسبوع الماضي لدخول بحر الصين الجنوبي قرب منطقة «ريناي ريف»، ليقوم خفر السواحل الصيني بطردها، ولكن دون استخدام أسلحة حقيقية، بل بمجرّد «رشّ الماء» قربها والذي بالكاد طال رذاذه إحداها كما يظهر فيديو نشرته الصين رسمياً، وذلك في سلوك رمزي يفهم أنّه رسالة صينية تحذّر الفليبين وغيرها بأننا نستخدم المياه هذه المرّة وأنّ الأفضل لدول المنطقة التعاون السّلمي لا مناصرة العدوانية الأمريكية والغربية.
أعلنت حكومة الفليبينّ، في السابع من آب الجاري، استدعاءها السفير الصيني لدى مانيلا، هوانغ شيليان، للاحتجاج على ما قالت إنه استخدام «خطير» من قبل البحرية الصينية لخراطيم المياه ضد سفنها بالقرب من جزيرة أيونجين شول، التي تتنازع عليها مع بكين في بحر الصين الجنوبي. وسارعت واشنطن بإصدار بيان يدعم موقف الفلبين ضدّ الصين.
وصدر أيضاً ردّ فعل دبلوماسي صيني تعليقاً على هذه الحركة من الفليبيّن – وهي الدولة الموزّعة على أرخبيل جزر مكوّن من 7,641 جزيرة، وتحدّه تايوان إلى الشمال عبر مضيق لوزون، وفيتنام إلى الغرب عبر بحر الصين الجنوبي.
وجاء ردّ الفعل الدبلوماسي الصيني بأنْ حثّت الخارجية الصينية الولايات المتحدة «على وقف استغلال قضيّة بحر الصين الجنوبي لبثّ الفتنة، واحترام حقوق الصين الإقليمية والبحرية»، وأنّ «العملية التي تمّت في الموقع» من قبل خفر السواحل الصيني «كانت مهنية ومنضبطة ولا تشوبها شائبة».
وفي وقت لاحق قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي إنّ «أمريكا وقوى أخرى لا تريد سوى الفوضى في بحر الصين الجنوبي، للاستفادة من المياه الموحلة، ولخدمة استراتيجيتها الجيوسياسية استخدمت الولايات المتحدة وبعض القوات الأخرى قضية ريناي ريف لتأجيج النيران، وزرع الخلاف بين الصين والفلبين، وإذكاء المواجهة وتعريض السلام والهدوء في بحر الصين الجنوبي للخطر». وأضاف أنّ «مبادرة الحفاظ على السلام والاستقرار في بحر الصين الجنوبي يجب أن تكون في أيدي دول المنطقة، وأن الصين تأمل في أن تحافظ دول المنطقة على اليقظة اللازمة ضد الجهات الفاعلة التي تعمل وراء الكواليس»، وأضاف بأنّ دول «آسيان» لديها كامل الحكمة والقدرة على الحفاظ على السلام والاستقرار في بحر الصين الجنوبي، وبناء «وطن مشترك» بحسب التعبير الذي استخدمه.
كما أعرب الوزير الصيني عن أمله بأنْ «يلتزم الجانب الفلبّيني بالتوافق الذي تم التوصّل إليه، في الماضي، وأنْ يعتزّ بالثقة المتبادلة المتراكمة من خلال التحسُّن في العلاقات الثنائية، وأنْ يلتقي مع الصين في منتصف الطريق لإيجاد طريقة قابلة للتطبيق لإدارة الوضع البحري بشكل مناسب». وأضاف الوزير الصيني، الذي كان يدلي بتصريحاته أثناء زيارته إلى سنغافورة وماليزيا، أنّ«الصين أكدت مراراً أنها مستعدة للتعامل بشكل صحيح مع الخلافات القائمة مع الفلبين، من خلال الحوار الثنائي».
وهكذا ركّزت طريقة الردّ العملي والدبلوماسي الصيني الضوء على مشهد التحول الجيوسياسي الكبير بوصفه الجوهر الكامن وراء الحوادث المفتعلة أمريكياً وغربياً والمتكرّرة في بحر الصين الجنوبي.
ويمكننا أنْ نلاحظ توجّهاً أمريكياً لمحاولة الضغط على دول أخرى في المنطقة ضدّ الصين، فعلى سبيل المثال، هناك زيارة قريبة مزمعة إلى فيتنام سيقوم بها الرئيس الأمريكي جو بايدن، حيث يبدو أن ثمّة نيّة لواشنطن رفع مستوى علاقاتها مع هانوي إلى مستوى «استراتيجي» بغرض تعزيز المواجهة ضدّ الصين وضدّ روسيا أيضاً. ولكن على الرغم من المستوى العالي للعلاقات التجارية الفيتنامية-الأمريكية، فلا تزال هناك تناقضات في العلاقات الثنائية تعوق شراكة بمستوى طموح واشنطن التي تقصد بالعادة من كلمة «شراكة» التبعيّة لها لا «الشراكة» الندّية البنّاءة. لكن لا يبدو حتى الآن أنّ هانوي تميل إلى الانحياز، لا إلى واشنطن ولا بكين أو موسكو. وربما سيحاول بايدن بزيارته الضغط لمحاولة تغيير ذلك.
المشهد الجيوسياسي الكبير
تقترب قمة بريكس الخامسة عشرة ذات الأهمية الكبيرة، التي ستعقد في جنوب إفريقيا، وفي جعبتها تنفيذ خطط توسيع التكتّل الصاعد بضمّ أعضاء جدد والتأسيس لعملة بديلة عن دولار الإمبراطورية المتداعية.
وفيما يخصّ الصراع للسيطرة على البحار والمحيطات، كما على الطرق البرّية القارّية أيضاً، يمكن أن نتذكّر ما قاله قائد البحرية الجنوب أفريقية، الأدميرال موند لوبيزي، أمام حشد من قادة البحرية في البريكس عن حماس بلاده بشأن إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي الحالي، وذلك أثناء زيارته لاستعراض يوم البحرية الروسي السنوي في سانت بطرسبرغ الشهر الماضي، حيث انضم الأدميرال لوبيزي يومها إلى رؤساء دول من جمهورية الكونغو ومالي وإريتريا وبوركينا فاسو، مباشرةً بعد حضورهم القمة الروسية الأفريقية.
وشاركت في العرض الاحتفالي 33 سفينة وأربع غواصات وثماني سفن شراعية وأكثر من 3000 فرد عسكري. وانضم إلى لوبيزي أيضًا أميرالات أساطيل أخرى من دول البريكس.
وربما تلخّص كلمات رئيس العمليات البحرية في جنوب إفريقيا في حديثه في حفل عشاء، التزام بريكس باتجاه لمقاومة الهيمنة المزمنة لنظام القطب الواحد والاستعمار الجديد:
«متحمّسون للغاية للمشهد الجيوسياسي الجديد الذي سيشكله هذا التجمع من الناس. هذا المشهد الجيوسياسي سيشهد اتخاذ العالم موقفاً ضد الإمبريالية وضّد تلك البلدان التي تعتقد أنها تستطيع أن تملي كيف يجب على الدول الأخرى أن تتصرف على المسرح العالمي».