تطوّرات جديدة في العلاقات المصرية-التركية… حدودها وأسبابها العميقة
أعلنت مصر وتركيا عن إعادة التمثيل الدبلوماسي بين البلدين بعد قطيعة دامت 10 سنوات، التطور الأخير جاء بعد سلسلة من الممهِّدات كان أبرزها لقاءٌ على مستوى وزراء الخارجية، ومصافحةٌ تاريخيةٌ بين الرئيسين التركي والمصري، ما عُدَّ مؤشّراً على اقتراب إنهاء حالة الاضطراب التي عانت منها العلاقات الثنائية. فكيف يمكن فهمُ دافعِ هذه الخطوة وخصوصاً بعد تداولِ أنباءٍ حول زيارة مرتَقَبة للرئيس المصري إلى أنقرة؟
بشكلٍ متزامن أصدرَت وزارة الخارجية المصرية والتركية، في يوم الثلاثاء 6 تموز الجاري، بيانين أعلنا فيهما عن رفع مستوى التمثيل بين البلدين إلى مستوى السفراء، وعيّنت أنقرة صالح موتلو شن ليكون سفيرها الجديد لدى القاهرة، وعيّنت مصر الدبلوماسي عمرو الحمامي سفيراً لها لدى أنقرة. وفي تعليقه على هذا التطوّر صرّح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان: «بالنقطة التي وصلنا إليها، فقد تجاوزنا الآن مع مصر مرحلة مهمّة في التطبيع، ومن الآن فصاعداً، ستستمر علاقاتنا في التقدم بسرعة في المجالات السياسية والاقتصادية وجميع المجالات الأخرى». وأضاف خلال مؤتمرٍ صحفي جمَعَه مع نظيره الأردنيّ إنّ: «الروابط التاريخية والجغرافية والثقافية والاستراتيجية والدينية بين مصر وتركيا لا تجعلهما بعيدتين عن بعضهما».
نتائج أولية
بعد رفع التمثيل الدبلوماسي، بدأت وسائل الإعلام تحاول تحديد ملامح وآفاق التعاون بين البلدين، وخرج عدد من الخبراء والمسؤولين من كلا البلدين لتوضيح بعض المسائل. وتتَّفق معظم الآراء على أنّ استئناف العلاقات من شأنه أنْ يضخَّ دماءً جديدة في التجارة المتبادَلة وحجم الاستثمارات، فرغم أنّ العلاقات اتّسمت بالفتور والتّوتُّر خلال عشر سنوات مضتْ، لكن ذلك لم يمنع من الحفاظ على مستوياتٍ متدنيّة من التبادل التّجاري، إذْ قُدِّرَ حجم التجارة بين البلدين بحوالي 8 مليارات دولار، لكن التقديرات الجديدة تقول إنّ حاجة البلدين يمكن أنْ تشكّل دافعاً كبيراً لزيادة حجم التبادل ليصل إلى حوالي 20 مليار دولار. هذا إلى جانب زيادة حجم الاستثمارات التركية في مصر.
مجالات واسعة للتعاون
يرد البعضُ الخلاف بين مصر وتركيا إلى موقف الأخيرة من تنظيم الإخوان المسلمين، إذ رفضت أنقرة إزاحة الرئيس محمد مرسي، واعتبرت وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي بمثابة انقلاب، وقدّمت لذلك تسهيلات لعمل الجماعة على أراضيها، وتشير بعض الأنباء إلى أن تركيا بدأت بالفعل التضييق على عمل الإخوان منذ مدة، وأوقفت عدداً من ناشطيهم ضمن حملة شنتها السلطات على ما وصفته بـ «انتهاكات لشروط الإقامة» قام بها هؤلاء اللاجئين، وبالرغم من أنّ هذه الأنباء لا تزال غير مؤكَّدة، إلّا أنّ خطواتٍ كهذه باتتْ متوقَّعةً منذ بدأ التّقارب بين البلدين، ويُفترَض أنّ ملفَّ الإخوان المسلمين كانَ حاضراً في المفاوضات الثنائية. لكنَّ الأسباب العميقة لأزمة العلاقات بين مصر وتركيا لا يمكن نقاشها من هذه الزاوية وحدها! فالعلاقات بين القوى الإقليمية الأساسية في المنطقة لم تكن بأحسن حال خلال العقدين الماضيين، وبالرغم من أن أسباب هذه الخلافات كانت متنوّعة، إلّا أنّ عاملاً مشتركاً بينها ظلّ حاسماً، وهو أنّ توتُّر العلاقات بين القوى الإقليمية كان مطلوباً أمريكياً، حيث لعبت الولايات المتحدة دوراً في تغذية هذه الخلافات بدل علاجها، في الوقت الذي سمح به توازن القوى الدولي بإبقاء هذه المشكلات دون حلّ، في وقت تبيّن فيه أنّ حلولها ممكنة بمجرّد أنْ يتغيَّرَ المناخ العام في منطقتنا.
لذا يمكننا القول إنّ «سياسة تصفير المشاكل» هي سمة هذه المرحلة ليكون ملف «الإخوان المسلمين» بذلك واحداً من مسائل أخرى عدّة يمكن أنْ تشهد تغيُّرات في حال استمرّ التعاون بين أنقرة والقاهرة كما هو متوقَّع، وستؤثِّر مجالاتُ التعاون الثنائية على عددٍ كبير من القضايا الإقليمية أبرزُها ملفّ الغاز وثروات المتوسِّط وترسيمُ الحدود البحريّة، بالإضافة إلى نتائجَ مباشرة على الأزمة اللِّيبية، هذا بالإضافة إلى أنَّ التّقارب بين مصر وتركيا سيكونُ له انعكاساتٌ على الأزمة السوريّة، ويمكنُ أيضاً أنْ يلعبَ دوراً في السودان وملفّ سدّ النهضة الذي يؤكّد بعض المراقبين المصريّين أنّ العلاقات الطيبة التي تجمع تركيا بإثيوبيا يمكن أن تسهم في تقريب وجهات النظر بشأنه. ما يفرض علينا النظر إلى تحسُّن العلاقات بوصفها ملمحاً من ملامِح التغيُّرات الإقليمية والدّولية وعليه يمكن مراقبةُ التطوّرات اللاحقة بوصفها مقياساً جديداً لحجم التغيرات المتسارعة.