مصر والهند: دفع إيجابي... وتطويره مرهون بالقطع مع الغرب
جاءت زيارة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، للهند كضيف شرف في احتفالات الهند بيوم الجمهورية لتسلط الضوء على الأهمية الحاسمة للشراكة بين الدولتين التي استمرت لعقود. فتاريخياً، كان لكلا البلدين روابط حضارية مشتركة استمرت عدة قرون قبل إقامة علاقات دبلوماسية في عام 1947. وبصرف النظر عن كونهما العضوين المؤسسين لحركة عدم الانحياز، قام البلدان أيضاً بتوقيع معاهدة صداقة في عام 1955، لنقف اليوم عند عتبة جديدة من التعاون التي ينبغي فهم أسبابها وضروراتها.
شهدت علاقة نيودلهي بالقاهرة في العقد الماضي وحده تطورات إيجابية كبيرة في مختلف القطاعات. ويعمل البلدان على تعزيز علاقاتهما من خلال إقامة شراكات مختلفة في مجال التعاون الدفاعي وأمن الطاقة والاستثمارات التجارية ومجالات أخرى.
تعزيز العلاقات على أرضية التوازنات الجديدة
تعدُّ الهند حالياً ثالث أكبر سوق تصدير لمصر، وهي أيضاً سادس أكبر شريك تجاري لها. ورغم أنه لا يزال ثمة مجال أكبر لتوسيع التعاون الثنائي عبر القطاعات، إلا أن تجارة الهند مع مصر شهدت زيادة بنسبة 75% في السنة المالية السابقة، حيث وصلت التجارة الثنائية إلى 7.26 مليار دولار مؤخراً.
من وجهة نظر الهند، يتضمن السعي لتطوير العلاقات الثنائية مع مصر الإرادة للمضي نحو المزيد من تظهير التغيّر في موازين القوى الدولية، بما في ذلك حسم هذا التغير على صعيد القارة الأفريقية، وتعميم منطق التكامل المربح للجميع فيها.
التعاون الدفاعي: تدريب وإنتاج
وقع البلدان مؤخراً مذكرة تفاهم في شهر أيلول 2022، وذلك خلال زيارة وزير الدفاع الهندي، راجناث سينغ إلى مصر. وتضمنت مذكرة التفاهم تعاوناً أوثق في مجال التدريب العسكري والتدريبات المشتركة والإنتاج الدفاعي، وغيرها...
ومع تكثيف العلاقات، برزت سبل الدفاع والأمن كمجالات ذات أولوية عالية، بما في ذلك التعاون الصناعي والتدريبات المشتركة. واستمراراً لهذه المحادثات الدفاعية، أجرت القوات الخاصة المصرية أيضاً مناورة مشتركة مع نظيراتها الهندية في جودبور، الشهر الماضي كانون الثاني 2023، ما يشير إلى الجهود التعاونية المتزايدة بين جيشين مهمين في العالم.
ورغم أنه لا تزال هنالك عقبات عديدة في توسيع التعاون بين البلدين، فإنه - من منظور المصلحة المشتركة للجانبين - ينبغي تذليل كل الصعاب التي تحول دون رفع مستوى التعاون.
تتلمس كل من مصر والهند الطريق للمزيد من الانخراط في محاولات كسر النظام العالمي القائم على الهيمنة الغربية، لكن السير الصحيح على هذا الطريق يفرض على الجانبين المزيد من الوضوح في القطع مع المنظومة الغربية، حيث لا يخفى على أحد أن واحدة من أهم المعيقات التي تؤخر السير في هذا الاتجاه هو العلاقات التاريخية التي لا تزال تربط دولة مثل مصر مع المؤسسات الغربية، كالقروض من صندوق النقد الدولي، حيث ارتفعت ديون مصر الخارجية من 40 مليار دولار في 2012 إلى ما يقارب 155 مليار دولار في 2022.
لهذا، لا بد من القول إن السير في تعزيز العلاقات الهندية المصرية هو مسألة لا بد أنها مطلوبة وستنعكس في دفع مسار التنمية في شمال أفريقيا وفيما يسمى بـ«الجنوب العالمي» عموماً. لكن نجاح هذا المسار مرهون بمستوى الجدية التي يبديها الجانبان في إنهاء بقايا اليد الاستعمارية الجديدة في دولهما.