تحليل المشاعر بالطريقة الأمريكية !
تصاعدت الإحتجاجات الأمريكية الرسمية على صدور حكم يوم الاثنين 28 أبريل الجاري بإعدام 37 من جماعة الإخوان وأعلن متحدث باسم الرئيس الأمريكي أن " الحكم يمثل تحديا لأبسط قواعد العدالة الدولية". ومع أني لأسباب فكرية وإنسانية أناهض بشكل قاطع حكم الإعدام كأسلوب للعقاب إلا أن الأمريكيين آخر من يحق له القاء موعظة بالذات عن العدالة الدولية! فهم الذين أعلنوا عام 2006 عن تمويل برنامج معلوماتي يمكن المخابرات الأمريكية من مراقبة الأفراد والصحف ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي في كل أرجاء المعمورة ورصد اتجاهات الرأي العام المختلفة تجاه أمريكا.
ولأن الأمريكيين رومانسيون بالفطرة فقد أطلقوا على برنامج التجسس هذا اسم " تحليل المشاعر"! في أكتوبر من العام نفسه صدق الرئيس الأسبق جورج بوش على قانون يسمح بتعذيب المتهمين في قضايا الإرهاب، ويحرمهم من أية ضمانات قانونية، ويسلبهم حق الطعن في شرعية اعتقالهم، بل ويحرمهم حتى حق الاستعانة بمحام، ويقر بصحة الأحكام الصادرة بناء على أدلة منتزعة تحت وطأة التعذيب! وإمعانا في " تحليل المشاعر" نشرت الصحف في سبتمبر 2007 أن المخابرات استحدثت طريقة تعذيب تسمى" الإغراق بالمحاكاة " وفيها يتم غمر السجين أثناء التحقيق معه بالإحساس بالغرق إتساقا مع " قواعد العدالة الدولية "! أيضا أسس البنتاجون شعبة خاصة باسم مكتب المنظومات المعلوماتية يتمثل دورها في التجسس على الهواتف الجوالة والانترنت داخل وخارج أمريكا. وأشارت التقارير الأمريكية إلي أن التنصت الأمريكي على الهواتف يتخطى مليارى اتصال يوميا عبر محطات محمولة على طائرات أو أقمار صناعية، وأن بوسع المخابرات الأمريكية مراقبة وتتبع 12 مليون اتصال دفعة واحدة. وفي مطلع فبراير هذا العام أعلن أن شركات جوجول وياهو ومايكروسوفت وفيس بوك وسكايب وغيرها ملزمة بتقديم تقارير عن مستخدميها للمخابرات الأمريكية، تتضمن اسم وسن ومحل إقامة الشخص! وأشارت الصحف الأوروبية إلي أن المخابرات الأمريكية كانت تستخرج رسائل البريد الإلكتروني والمكالمات الصوتية ومقاطع الفيديو واتصالات أخرى لعملاء تلك الشركات من دون حاجة لأي أمر قضائي! وكشفت صحيفة " جارديان" البريطانية أن وكالة التجسس البريطانية بالتعاون مع وكالة الأمن القومي الأمريكية كانت تجمع المعلومات الإلكترونية عن الأفراد وتستخرج صورا معظمها جنسية من دردشات " الويب كام" للملايين من مستخدمي برنامج ياهو للدردشة ! ومازال معتقل جوانتانامو مفتوحا إلي الآن تجسيدا صارخا لأشد أنواع الاحتقار الأمريكي للعدالة الدولية رغم وعود أوباما بإغلاقه! ومازالت فظائع معتقل أبي غريب بالعراق شاهدة على ذلك الاحترام للعدالة موضوع الحديث!
تنطلق أمريكا عند تأييدها لعزل جنوب السودان في دولة معادية لمصر من أن ذلك أمر يتماشى مع " أبسط قواعد العدالة الدولية"، أما عودة القرم الروسي أصلا إلي روسيا فأمر يمثل تحديا " لأبسط قواعد العدالة ". وأحكام الإعدام في مصر تتنافي مع العدالة أما الإعدام بلا أحكام في جوانتانامو فإنه تجسيد لروح العدالة! وفي كل ذلك لا ترى أمريكا إلا مصالحها الخاصة كما لاترى عين القط سوى الفئران!
أحمد الخميسي . كاتب مصري