ألمانيا وخلفها اليورو: انكماش الناتج الصناعي والركود الحتمي
تسارع التضخم الألماني إلى أعلى مستوى له في 40 عامًا عند 8.8% في العام المنتهي في آب (أغسطس) الجاري. وكان رئيس البنك المركزي الألماني، يواكيم ناجل، قد رجّحَ في تقرير شهري في 22 آب/أغسطس بأنّ التضخم في ألمانيا (أكبر اقتصاد في منطقة اليورو) سيرتفع هذا العام إلى نسب من رقمين (أكثر من 10%) لأول مرة منذ عام 1951 وتوقّع أنْ ترتفع الأسعار بنسبة 6% على الأقل العام المقبل. وأضاف: «أصبح الاحتمال أكبر بحدوث تراجع الناتج الاقتصادي في أشهر الشتاء، ومن المرجح أن تؤثر درجة عدم اليقين العالية بشأن إمدادات الغاز هذا الشتاء والزيادات الحادة في الأسعار بشدة على الأسر والشركات». ليأتي انخفاض سعر صرف اليورو تحت الدولار في اليوم التالي 23 آب، وما حمله من دلالات عميقة.
ودخل الإنتاج الصناعي في ألمانيا بحالة انكماش بالفعل منذ شهر أيار من العام الجاري، وستؤدي أزمة الغاز في فصل الشتاء إلى «ركود عميق» مع انكماش للناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6% بحلول نهاية العام المقبل 2023 وفقاً لمراقبين. في حين نقلت رويترز تحذيرات خبراء بأنّ «الركود الألماني حتمي».
يحذّر العديد من المصنّعين الألمان من أنه سيتعين عليهم إغلاق الإنتاج تمامًا إذا نضبت مدخلات الطاقة، حيث تعتمد ألمانيا بنسبة كبيرة على الغاز الروسي، في حين لا تلوح في الأفق بوادر لحل الأزمة، بل مؤشرات على تفاقمها، بظل التعنت الغربي بقيادة واشنطن في عدم تلبية مطالب روسيا برفع العقوبات المتعلقة بإعادة طبيعية ومضمونة لتوربين خط غاز السيل الشمالي1 الذي تمت صيانته في كندا، ناهيك عن امتناع الممسكين بالسلطة في برلين عن أيّ مبادرة لتفعيل خط السيل الشمالي2 الجاهز للعمل تقنياً والمعطَّل سياسياً.
وحذر بيتر سينجر، الرئيس التنفيذي لأكبر شركة منتجة للأمونيا في الصناعات الكيميائية الألمانية (والمورد الرئيسي للأسمدة وسوائل العادم المستعملة في محركات الديزل) من العواقب الوخيمة لانتهاء إمدادات الغاز الروسية. فقال: «علينا أن نوقف [الإنتاج] على الفور، من 100 إلى صفر».
وحذر البنك المركزي الألماني من أن التأثيرات على سلاسل التوريد العالمية لأي قطع روسي للغاز ستزيد من تأثير الصدمة الأصلية بمقدار مرتين ونصف. وقالت شركة ثيسن-كروب الألمانية ThyssenKrupp، وهي أكبر صانع للصلب في ألمانيا، إنه دون الغاز الطبيعي لتشغيل أفرانها «لا يمكن استبعاد الإغلاق والأضرار الفنية لمنشآتنا».
هذا الوضع عزز الدعوات الموجّهة إلى البنك المركزي الأوروبي لتسريع الوصفة الوحيدة التي لا يبدو أنّ هناك غيرها لدى شبكة البنوك المركزية العالمية التابعة للفيدرالي الأمريكي؛ ألا وهي تسريع وتيرة رفع أسعار الفائدة، على الرغم من أن هذا الإجراء من المركزي الأوروبي يتم بوتيرة أبطأ من المركزي الأميركي وبشكل مخطط على ما يبدو بسبب تبعية الأول للثاني من جهة، ولأن رفع أسعار الفائدة سيسرّع ويعزز من الركود. وسيجتمع صنّاع السياسة الأوروبيون في الأسبوع الأول من شهر أيلول. فدعا البعض، مثل رئيس البنك المركزي النمساوي روبرت هولزمان، علنًا البنك المركزي الأوروبي إلى مناقشة تسريع وتيرة زيادة أسعار الفائدة من نصف نقطة مئوية أولية في يوليو/تموز إلى زيادة قدرها ثلاثة أرباع النقطة المئوية في اجتماع الأسبوع المقبل.
وكانت أسعار المستهلكين في ألمانيا مدفوعة في الغالب بارتفاع تكلفة الطاقة والغذاء، مما أدى إلى ارتفاع التضخم بمقدار 0.4 نقطة مئوية عن شهر يوليو/تموز على الرغم من الإجراءات الحكومية الأخيرة لتخفيف الضربة على الأسر. وتسببت تداعيات الحرب بالوكالة التي يشنها الناتو بقيادة واشنطن في أوكرانيا، في ارتفاع أسعار الغاز والكهرباء بالجملة إلى مستويات قياسية في أوروبا في الأسابيع الأخيرة ودفعت تكلفة الأسمدة والسلع الزراعية الأخرى مثل القمح إلى الارتفاع.
ففي آب/أغسطس، ارتفعت أسعار الطاقة في ألمانيا بنسبة 35.6% وأسعار المواد الغذائية بنسبة 16.6%. وارتفع التضخم الأساسي، باستثناء الغذاء والطاقة، إلى 3.1%، ارتفاعاً من 2.8% في يوليو/تموز.
واستمر التضخم الألماني في الارتفاع على الرغم من الإجراءات الحكومية، بما في ذلك انخفاض الرسوم على فواتير الوقود والطاقة وتذكرة قطار شهرية مدعومة بقيمة 9 يورو. وستنتهي صلاحية العديد من الإجراءات في سبتمبر/أيلول، مما يجعل من المرجح أن يقفز التضخم إلى مستويات أعلى.
وعززت أرقام التضخم الألمانية - جنبًا إلى جنب مع ارتفاع التضخم البلجيكي إلى أعلى مستوى في 46 عامًا عند 9.9 في المائة في آب - التوقعات بأن نمو الأسعار في منطقة اليورو من المرجح أن يصل إلى مستوى قياسي عند 9 في المائة على الأقل عند إصدار بيانات نهاية شهر آب 2022.