التعسف الغربي يصل إلى العلوم
وضَعَ العِلمُ الرسمي للرأسمالية نفسَه في موضعه الحقيقي وظيفيّاً دون أغطية وتمويهات وتلاعبات بالوعي هذه المرة. واستبدل الادعاء الكاذب القديم والمموَّه القائل بحياد العلم إلى ضرورة تدخُّل العِلم في السياسة. وكان أوّل ما تدخّلوا به هو حذف 1000 ورقة بحثية روسية من قوائم الأبحاث رغم اعترافهم بالأهمية العلمية لهذه الأبحاث.
جاء في بداية الرسالة المعمَّمة حول حذف الأبحاث الروسية:
«عادة نحن لا نتدخل في السياسة في القائمة البريدية الدورية، ونحن لدينا من يقدَّر بـ 50-100 من الروس المشتركين في هذه القائمة البريدية ونحن نحترمهم كزملاء. ومع ذلك، فقد ذهب فلاديمير بوتين والكرملين بعيداً في غزو أوكرانيا. وكدليل على احتجاجنا، أزلنا مؤقتاً أكثر من 1000 ورقة بحثية روسية من قاعدة بيانات الزواحف».
معظم الأوراق المحذوفة هي للناشرين الروس، وبعضها مشترَك مع آخرين من خارج روسيا (اعتذرت الرسالة ممَّن هم خارج روسيا) وأضافت: نحن لا نريد معاقبة زملائنا الروس. وقالت الرسالة إنّ الحظر المؤقت أثار جدلاً وانقسم المجتمع العلمي على نفسه وجرت مناقشات حول هذا الموضوع في مجلة «ساينس» ومجلة ناتشر وتايمز التعليم العالي و«ساينس بيزنز».
برّر أصحاب هذه الخطوة موقفهم بأنهم يواجهون الحملة الدعائية الخاطئة التي يديرها فلاديمير بوتين. وجاء في الرسالة: نأمل أن يبلغ المثقفون الروس بما في ذلك علماء الزواحف زملاءهم الروس والنخبة السياسية أنَّ غزو أوكرانيا سوف يأتي بنتائج عكسية وعلى روسيا أن تنسحب. وبعد ذلك أوردت الرسالة المعلومات المعتادة عن الإنجازات في علم الزواحف. ويُذكر أن موقع «ريبتيل داتابيز» (قاعدة بيانات الزواحف) هو موقع علمي أسسه بيتر أوتز في ألمانيا.
القضية لم تبدأ هنا أصلاً، والنوايا المبيَّتة لمحاربة العلماء الروس موجودة قبل الحرب الأوكرانية. ففي حزيران 2021، اعتقلت السلطات الألمانية عالماً روسيّاً عمل كمساعد باحث في مجال العلوم الطبيعية والتكنولوجيا في إحدى الجامعات الألمانية واتهموه بالتجسس لصالح روسيا حسبما نشرت وكالة دويتشه فيلّله الألمانية.
ونشرت جريدة نيويورك تايمز بتاريخ 12 آذار في القسم الجديد المخصص للحرب الروسية الأوكرانية مقالاً بعنوان «العلماء الروس يواجهون العزلة بعد غزو أوكرانيا» بقلم دينيز أوفرباي جاء فيه أن العلاقات العلمية الدولية باتت مهددة. فالمنظمة الأوروبية للأبحاث النووية «سيرن» التي مقرها في سويسرا قد أعلنت في شباط الماضي أن مؤتمر علماء الرياضيات العالمي الذي كان من المقرر عقده في بطرسبورغ سينعقد خارج روسيا.
وهناك ضغوطات كبيرة على العلماء الروس في مختلف البلدان من أجل إجبارهم على اتخاذ مواقف ضد روسيا. في المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية ومعهد ستانفورد ومعاهد المناخ والتكنولوجيا والكونيات.
وتستعد بريطانيا لإصدار تعليمات للجامعات البريطانية التي تتعامل مع العلماء الروس تمهيداً لقطع هذه العلاقات العلمية حسب ما نشرت إذاعة «بي بي سي» البريطانية بتاريخ 13 آذار.
وجاء في موقع يونيفيرستي وورد نيوز تحذير من أنّ الجامعات الروسية ستواجه أزمة عزلة. بعد إلغاء جميع المؤتمرات العلمية الجامعية الدولية المقرر عقدها في روسيا. ورفض النشر من قبل المجلات الغربية، وحرمان العلماء الروس من نشر أوراقهم في مجلات بحثية غربية كانت تنشر أعمالهم بانتظام في الماضي. وألغى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا اتفاقياته مع الجامعات الروسية، وجرى إلغاء المؤتمر الدولي لعلماء الأنثروبولوجيا وعلم الأعراق الذي كان سيعقد في بطرسبورغ.
وجاء في الموقع أيضاً أن فاديم باتاييف، الباحث البارز في مختبر التحليل الطيفي الجزيئي التابع لكلية الكيمياء بجامعة موسكو الحكومية، قد حُرم من حق نشر مقال في المجلة الدولية للبنية الجزيئية. وقال باتاييف: قرر محرّرو المجلة حظر المخطوطات الواردة من المؤسسات والعلماء الروس. ويقولون إنّ مثل هذا القرار مرتبط بالعملية الخاصة للاتحاد الروسي في أوكرانيا.
وقال معظم العلماء الذين لم يستطيعوا نشر المقالات حسب موقع يونيفيرستي وورد نيوز بأنهم سيتحولون إلى النشر في المجلات الآسيوية والمحلية. ورغم أنّ هذا الموقع نشر هذه الأخبار في سياق معاداة روسيا. إلا أنه لم يذكر حجم الخسارة العلمية التي سيعاني منها الغرب.