استيراد الموز ومصالح الحيتان
سمحت الحكومة مؤخراً باستيراد مادة الموز من لبنان، ولجميع المستوردين، بما لا يتجاوز كمية 50 ألف طن، تماماً كما كل عام، وبنفس هذه الفترة، بالتوازي مع فترة جني وتسويق وبيع موسم الحمضيات.
يُشار إلى أنّ السورية للتجارة كانت قد أعلنت عن طرح كميات الموز المصادَر عبر صالاتها بسعر 10 آلاف ليرة للكيلو، وهو سعر مرتفع بلا شك، علماً أن سعر الكيلو في بعض الأسواق وصل إلى 20 ألف ليرة، من النوع الصومالي المهرَّب!
فالمعلومات تشير إلى أنّ سعر كيلو الموز في لبنان للمستهلِك يتراوح بين 12 – 15 ألف ليرة لبنانية [كما في الصورة]، وذلك للنوّعية الجيّدة، متضمنةً أرباح المُزارع، أو المستورد، وتاجر الجملة، وتاجر المفرق.
فكم سيكون سعر الكيلو المستورد من لبنان بشكل نظامي في الأسواق المحلية، استناداً للموافقة الحكومية أعلاه؟
واقع الحال يقول إنّ الموز لا ينقطع توفُّره في الأسواق عبر مسارب التهريب غالبية أشهر السنة، بنوعية جيدة ولكن بأسعار احتكارية مرتفعة، فهذه السلعة مخصَّصة لشريحة الأغنياء فقط، بينما يتوفر استيراداً بشكل نظامي في أشهر محدودة من السنة، بنوعيات متوسطة أو متدنية الجودة، وبالتالي بسعر أدنى في الأسواق، لاستقطاب شرائح مستهلكين أوسع، مع بدء تسويق وبيع موسم الحمضيات في السوق المحلي.
فهل مصلحة المستهلك هي السبب خلف فترات السماح بالاستيراد أو وقفه، أم مصالح حيتان المال والفساد، استيراداً وتصديراً وتهريباً، وتحكّماً بالسوق المحلية؟
بحسب نائب رئيس لجنة التصدير في اتحاد غرف التجارة السورية، نقلاً عن تلفزيون الخبر بتاريخ 27 أيلول، فإنّ: «كلفة الموز على المستورد لن تتعدى 3000 ل.س، وسعره في السوق المحلية سيكون بحدود 3200 ل.س»، وأردف: «كيلو الموز لا يكلف سوى دولار واحد من أي مكان يردنا فيه في العالم...» وتمنّى من الحكومة «السماح باستيراد الموز طول العام، عبر السماح باستيراد الموز الصومالي، مع استيفاء رسوم، لضمان توافره بكمية جيدة، وعدم بلوغه أسعاراً مرتفعة»
من حديث نائب رئيس لجنة التصدير، ومن خلال واقع أسعار الموز في لبنان، يتبين حجم الأرباح الاحتكارية الكبيرة التي يجنيها المهرِّبون غالبية أشهر السنة من مادة الموز، كما يتبين أن دور السوريّة للتجارة مؤخَّراً لم يكنْ تدخلاً إيجابياً لكسر السعر، بل عزّزت بسعرها هامشَ الربح الاحتكاري للمهرِّبين، خاصةً وأنّ الكميات المطروحة من قِبَلها هي كميات مصادرة قليلة، لم ولن تؤثِّر على حركة السوق، بمعنى آخر فإنّ فترة وقف الاستيراد ينتفعُ خلالها المهرِّبون، بينما يتضرر منها المستهلك المفقَر الذي يُحرَم من هذه المادة طيلة هذه الفترة.
ومن خلال توقيت فترة السماح بالاستيراد كلّ عام، بالتوازي مع موسم الحمضيات، يتبين أنّ الغاية هي المضاربة على هذا الموسم، أي استغلال مزارعي الحمضيات، وليست مصلحة المستهلكين، بمعنى آخر فإنّ فترة السماح بالاستيراد ينتفع خلالها مستورِدو الموز ومسوِّقو ومصدِّرو الحمضيات، بينما يتضرر منها منتجو الحمضيات والمستهلكون معاً، وهو ما يعبِّر عنه منتجو الحمضيات كل موسم، كسببٍ مضاف إلى معاناتهم وصعوباتهم.
وبعيداً عن الحديث عن ترشيد الاستيراد، والحفاظ على القطع الدولاري، الذي سقط بفترة السماح بالاستيراد الحالية، وبكمية 50 ألف طن، بقيمة 50 مليون دولار، بحال التقيد بسعر دولار لكل كيلو موز حسب تصريحات نائب رئيس لجنة التصدير، فلو كانت الغاية هي مصلحة المستهلك لكان من الأجدى فتح باب استيراد الموز طيلة أشهر السنة، مع مراقبة السعر في السوق استناداً للأرقام أعلاه!
ولو كانت الغاية مصلحة منتجي الحمضيات لكان من الأجدى أن يَصدر قرار وقف الاستيراد بالتوازي مع فترة جني وتسويق هذا الموسم!
لكن ما يجري عملياً هو العكس من ذلك تماماً، فمصالح حيتان المال والفساد لها الأولوية، وهي المتحكمة بفترات السماح بالاستيراد وتوقّفها!