واشنطن تحبط «الائتلاف» السوري: لا أسلحة نوعية.. ولا جولة ثالثة في جنيف (تحت الأضواء)
لا خطة أميركية لمساعدة «الائتلاف الوطني السوري» والمعارضة الخارجية، ولا أسلحة نوعية تتعدى «المشاغبة» على النظام في سوريا، والأنكى لا جولة ثالثة في جنيف تحيي «الائتلاف» السوري تحت أنوار الكاميرات، والإعلام الذي نفخ فيه روحاً، خلال جولتين من المفاوضات الفاشلة.
المعارضة الخارجية السورية تلقت نبأ تأجيل «السياسة الأميركية» اتخاذ أي موقف على الجبهة السورية، يؤدي إلى توريط الإدارة الحالية في نزاع يخرج عن السيطرة، أو يرفع من منسوب التوتر مع روسيا.
الموقف تبلغه معارضون من «الائتلاف» التقوا، قبل أيام، أعضاء في مجلس الأمن القومي الأميركي، للتنسيق بعد الهجوم الواسع على جبهة كسب في ريف اللاذقية الشمالي، واستطلاع احتمال أن تقوم الولايات المتحدة بدعم العملية، أو تقديم دعم سياسي لمرحلة ما بعد جنيف.
ويقول مصدر سوري معارض إن الأميركيين قد ابلغوهم انه لا ينبغي انتظار أي تغيير جوهري في سياسة الإدارة الحالية قبل خروج الرئيس باراك أوباما من البيت الأبيض في العام ٢٠١٦، والرهان على إدارة جديدة، تجعل من الملف السوري أولوية لاحتواء عودة الروس إلى المنطقة. وترك أعضاء مجلس الأمن القومي انطباعاً لدى المعارضين السوريين بأن الحسم في التسليح أو الدعم العسكري، أو رفع مستواه إلى ما يساعد المعارضة إلى تغيير ميزان القوى، مؤجل، وأن الإدارة الحالية تتجنب الذهاب بعيداً في الدعم العسكري، وأن المعارضة لن تحصل على أي أسلحة نوعية، وستكتفي بإدارة النزاع الذي ينهك خصومها، من إيران و«حزب الله» وتنظيم «القاعدة»، اقتصادياً وعسكرياً.
أما المعارضة الخارجية السورية فمن يتذكرها؟ قلة تتذكر وجودها بعد انطفاء أنوار الجولة الثانية في جنيف قبل شهر، وما حظيت به من ضجيج خلال أيام المفاوضات الصعبة والفاشلة. وبانتظار جولة معلقة على التفاهم الروسي - الأميركي الصعب، تنفخ فيها الروح وتعيدها إلى الأضواء، يحاول رئيس «الائتلاف» احمد الجربا، في اسطنبول منذ ثلاثة أيام، إعادة ضبط الصفوف، تمهيداً لإعادة انتخابه رئيساً، للمرة الثالثة، في مخالفة صريحة للنظام الداخلي.
ورغم أن الاجتماع يسعى رسمياًَ إلى انتخاب ١٩ مندوباً إلى الهيئة السياسية، أو ٢٥ بحسب اقتراحات أخرى، يمثل كل منهم ٥ من أعضاء «الائتلاف»، إلا أن المعركة الحقيقية تدور حول ترتيب عضوية «الائتلاف»، وتمثيل الكتل المنضوية في صفوفه لتأمين أكثرية تؤيد بقاء الجربا على رأس «الائتلاف» عندما تحين ساعة اختيار رئيس جديد، في السابع من حزيران المقبل.
ويدخل في تكتيك الجربا قبول «الائتلاف» عودة جزء من كتلة التسعة المستقيلة منه احتجاجاً على ذهابه إلى جنيف. والجربا الذي استطاع طرد اللواء سليم إدريس من «رئاسة هيئة الاركان»، نجح بتهميش ميشال كيلو، بعد أن استخدم كتلته «اتحاد الديموقراطيين»، وقد جرى إنشاؤه برعاية بندر بن سلطان للوصول إلى رئاسة «الائتلاف»، وإقصاء القطريين. وظهر الخلاف إلى العلن بين الحليفين السابقين، بعد انتقاد ميشال كيلو هجوم المعارضة على كسب والساحل السوري، فيما كان الجربا يبارك العملية بزيارته كسب. ورفض الجربا عودة كتلة التسعة، وفرض عودتهم أعضاء متفرقين. ولم يقبل رئيس «الائتلاف» عودة سبعة من المنسحبين لإقصاء المعارضين لبقائه أكثر من الولايتين اللتين يشترطهما النظام الداخلي، وتأمين أكثرية الثلثين الضرورية لتعديل النظام الداخلي، لمصلحة التمديد لبقائه في كرسي الرئاسة «الائتلافية».
ورفض الجربا عودة سبعة أعضاء بحجة استقالتهم في وسائل الإعلام. وفقد عضويته كل من كمال اللبواني، وسليمان داوود، وفرح الاتاسي، وياسر فرحان، ويحيي الكردي، ومحمد الشعار، ومصطفى شلش، ويامن الجوهري، فيما قدمت ممثلة الأكراد منى مصطفى استقالتها من عضوية «الائتلاف».
ولا يبدو أن القطريين قد دفنوا كلياً فأس الحرب مع السعوديين، خصوصاً أن مرجعيات الملف السوري من وزير الداخلية السعودي محمد بن نايف، إلى وزير الخارجية سعود الفيصل، ينشغلون بترتيب البيت الداخلي.
فخلال الجلسات هتف ضد الجربا، مؤيدون للتيار القطري يقف خلفهم زعيم الكتلة القطرية مصطفى الصباغ، الذي يعود بذلك لمناكفة الجناح السعودي المهيمن في «الائتلاف» برئاسة الجربا. ويقول معارض سوري إن المحاولة تستهدف منع الجربا من تعديل النظام الداخلي، فيما يسعى القطريون للإمساك بـ«الائتلاف»، عبر إعداد رياض حجاب لخوض معركة الانتخابات في حزيران المقبل، وأنهم إذا ما فشلوا في ذلك فسيعملون على إضعاف مؤسساته.
ويبدو الأفق الوحيد المتاح سياسياً لتفعيل «الائتلاف» وحضوره وخروجه من عزلته، هو العودة إلى جنيف. ويظهر أن الجولة الثالثة من المفاوضات قد أصبحت مطلباً حيوياً لـ«الائتلاف» الذي كان يعارض بشدة أي مفاوضات مع النظام، إلى درجة رفعت فيها وثيقته في اجتماع اسطنبول مفاوضات جنيف إلى مصاف حدث «ولادة جمهورية سياسية سورية جديدة». بيد أن الجولة الثالثة للمفاوضات في جنيف تبدو مطلباً روسياً، التي سيزورها الملك الأردني عبد الله الثاني الأربعاء المقبل للقاء الرئيس فلاديمير بوتين، أكثر منها أميركياً في الوقت الحاضر.
ويقول معارضون التقوا المشرف الأميركي الجديد على المعارضة السورية الخارجية دانيال روبنشتاين، إنه لم يحمل أي اقتراح جديد، وانه لا يزال في مرحلة استكشافية للتعرف على الملف السوري وشخصيات المعارضة، ولم يتقدم بأي أفكار جديدة، سوى طرح أسئلة عن مدى استعداد بعض معارضي الداخل للانضمام إلى وفد معدل وجديد إلى جنيف. ويقول معارض سوري إن روبنشتاين يظهر خبرة ومعرفة اقل من سلفه روبرت فورد بتعقيدات الملف السوري، وتركيبة المعارضة الخارجية السورية، ولم يطلق أي تعهدات بالدعوة إلى أي جولة جديدة كما يتمنى «الائتلافيون».
وروسياً، يقول مصدر معارض، نقلا عن ديبلوماسيين التقاهم في موسكو، إن الأميركيين قدموا لائحة بأسماء مرشحي «الائتلاف» إلى «الحكومة الانتقالية» التي يطمحون إلى المشاركة فيها مع ممثلين عن النظام السوري. وقال معارض سوري، نقلا عن مسؤول ديبلوماسي روسي رفيع المستوى، إن الروس صدموا بالأسماء التي رفعت إليهم، واعتبروها مرفوضة بكاملها، ولا تصلح لإرساء تعاون مشترك، أو تحديد أي جلسة مفاوضات ثالثة تبحث بأي حكومة انتقالية.
وانتقد الديبلوماسي الروسي طريقة تعاطي «الائتلافيين» مع موسكو، وقال إنهم يعملون وفق توجيهات سعودية، ويتصرفون بطريقة متغطرسة، وقد فشلوا في بناء جسر تفاهم مع الديبلوماسية الروسية. وفي موازاة ذلك واصل المبعوث الأممي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي استكشاف احتمالات جولة ثالثة في جنيف، من خلال لقاءات مع بعض المعارضين في مقر الأمم المتحدة. وكان لافتاً أن دعوة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لعقد جولة جديدة في جنيف، دعماً للإبراهيمي، لم تلق صدى، بل لاقت تجاهلا أميركياً - روسياً واضحاً. وبديهي أن قرار الجولة الثالثة في جنيف يبقى أميركياً - روسياً، ورهينة تفاهمات مؤجلة بسبب أزمة القرم.
وينقل معارضون عن الإبراهيمي الواقعية التي بات يتعامل من خلالها مع الملف السوري، في غياب التفاهم الروسي - الأميركي. ويقول معارض سوري إن الإبراهيمي عبر عن خوفه من أن استمرار القتال سيؤدي إلى سيطرة كل جماعة مقاتلة على إمارة لها في سوريا. وقال الإبراهيمي أيضاً لمن التقوه، إنه عندما تجف مصادر التمويل لتلك الجماعات، فالأرجح أن تنقل أعمال التمويل إلى الداخل السوري، وتتحول إلى عصابات، تقوم بتمويل حربها من الإمارات التي تسيطر عليها.
المصدر: السفير