فضيحة «بيغاسوس»: هل مِن جديد تخبرنا به عن الحركة الصهيونية؟
هناك طريقة وحيدة لتعرف أنّ هاتفك مُختَرَق، وفقاً لمدير تحرير ويكيليكس، كريستيان رافنسون، في تعليق حديث له على فضيحة برنامج التجسس الصهيوني «بيغاسوس» التابع للشركة «الإسرائيلية» NSO. وكانت ويكيليكس أول من كشف عن برنامج بيغاسوس للتجسس في نظامي أندرويد وآبل منذ 1 كانون الأول 2011 عندما نشرت «وثيقةً داخلية تفضح السفالة غير المعقولة لشركات التجسس الخاصة تلك، والخدمات التي تقدّمها للأنظمة الاستبدادية لاستهداف الناشطين والخصوم السياسيّين والصحفيّين» وفقاً لتصريح لرافنسون الأسبوع الماضي. التقرير التالي، وإضافة إلى تقديم لمحة تقنية عن الموضوع، يرى دلالتين تاريخيَّتين لانفجار فضيحة بيغاسوس الآن رغم كون نشاطها الخبيث معروفاً منذ عشر سنوات: أولاً، هي انكشاف وتأكيد متزايد لحقيقة أنّ الحركة الصهيونية عدوّ لدود للأغلبية العظمى من البشر على هذا الكوكب وليس فقط للشعب الفلسطيني أو العربي. ثانياً، خروج الفضيحة إلى العلن عالمياً – ولو بحجم أقل مما تستحقه – ورغم نفوذ الصهيونية الإعلامي والمالي، هو بحد ذاته مؤشرٌ يضاف إلى المؤشرات المستجدة العديدة على تفاقم الضعف والتراجع والأزمة الوجودية لكلّ من الكيان الصهيوني بشكل خاص (من فشله في معركة غزة، ورعبه من الانتفاضة الجديدة، وتجرّؤ حتى «محكمة العدل الدولية» على فتح ملفّات جرائمه، وتوسّع حملات مقاطعته عالمياً من مستويات شعبية وحتى بعض المؤسسات والشركات، وخلافاته مع داعمه الأمريكي حول الملف النووي الإيراني، وغيرها)، ولأزمة المنظومة الإمبريالية بشكل عام، الداعمة له والمتداخلة مع الصهيونية العالمية.
ما هو «بيغاسوس» وكيف يتسلل إلى جهازك؟
برنامج التجسس بيغاسوس Pegasusتم تصميمه من الشركة «الإسرائيلية» NSO Group لثلاثة أغراض: جمع البيانات التاريخية على الجهاز الخلوي، والمراقبة المستمرة للنشاط، ونقل هذه البيانات إلى أطراف ثالثة، وذلك وفق ما صرّح به منذ عام 2019 كلاوديو غوارنييري، رئيس مختبر الأمن في منظمة العفو الدولية. بدورها أكدت شركة الأمن المعلوماتي ومكافحة الفيروسات «كاسبر-سكاي» Kaspersky بأن بيغاسوس هو أداة «للمراقبة الكاملة».
وبالنسبة لطريقة تسلله إلى الأجهزة، فتكون عادةً عبر ما يسمى «ثغرات النَّقْر الصِّفرية» والتي لا تتطلب من الضحية أيّ «نقرة» ولا فعل أيّ شيء، بل تم تصميمه بحيث يستفيد من الأخطاء الموجودة في التطبيقات الشائعة، مثل تطبيقات التراسل والواتساب، للتسلل إلى النظام، ويمكنه أيضاً استخدام مواقع الويب غير الآمنة للتسلل إلى الجهاز، وتسمى هذه الهجمات بـ«حقن الشبكة»، والتي تحدث أيضاً دون تدخُّل الضحية، حيث يتم اختراق الجهاز في غضون أجزاء من الثانية من زيارة تلك المواقع غير الآمنة.
ووفقاً لتقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» عائد للعام 2016 فإنّ اختراق 10 أجهزة iPhone بواسطة Pegasus سيكلّف أكثر من مليون دولار، مما يعني أن قلةً من المتسللين أو مجموعات القرصنة ستتمكن من الوصول إلى هذه الأداة. ومع ذلك، يمكن لـ«مجموعات التهديد المستمر المتقدم» المعروفة اختصاراً بـAPT أنْ تحصل على مثل هذا التمويل من داعميها الذين عادة ما يكونون دولاً قومية أو شركات كبيرة جداً.
أما عن طرق الوقاية من بيغاسوس، فوفقاً للمتداول إعلامياً نقلاً عن خبراء، لا يوجد شيء يمكن للضحية فعله بعد إصابة الجهاز بهذا التطبيق، ولا يمكن حماية الأجهزة بالوسائل التقليدية، لكن قيل إنه ربما يمكن تقليل احتمال الإصابة عبر «عدم زيارة مواقع الويب التي لا تستخدم بروتوكول HTTP» و«عدم النقر على روابط غير معروفة، أو تنزيل ملفات غير معروفة» و«تحديث التطبيقات بانتظام».
معروف «بلا ضجيج» منذ 10 سنوات!
أكد مدير تحرير ويكيليكس، كريستيان رافنسون، عبر مقابلة معه الأسبوع الماضي على قناة روسيا اليوم بالإنكليزية، بأنّه سبق له أنْ تحدّث عن أنشطة مجموعة NSO «الإسرائيلية» منذ عشر سنوات، وأكّد رافنسون بأنه بالعودة إلى موقع ويكيليكس «ستجدون كلّ ذلك، فما يوجد في الموقع هو الأمر نفسُه الذي نراه يطفو على السطح، ويجذب اهتمامنا الآن».
وأوضح قائلاً «في عام 2011 عندما نشر جوليان أسانج الوثائق ذات الصلة، وتحدّث في مؤتمرٍ صحفيّ، لم يجذب اهتماماً كبيراً في الحقيقة، الأمر الذي فاجأني حينها، نظراً لأن ما كشفه كان صادماً...» وأبدى رافنسون أسفه لأن الأمر استغرق عشر سنوات حتى يتأكد الناس بأنّ هواتفهم الشخصية أدوات تجسُّسٍ عليهم. وأكّد بأنّه «يجب دائماً توقّع بأنّ هاتفنا تمّ العبثُ به، وعلى الناس العاديّين إدراك حدوث اختراقٍ لهواتفهم، وقد قال لي خبير في هذا المجال منذ أعوام، إنّ المؤشِّرَ الوحيد على اختراق الهاتف هو نفاد بطّارية الهاتف بسرعة، الأمر الذي يعني بأن طرفاً ما يستخدم الهاتفَ كأداةٍ للتجسُّس». ولذلك، وفقاً لملاحظات رافنسون، يستخدم تجّار المخدّرات مثلاً «هواتف قديمة» أو «يضعون هواتفهم في الثلّاجات أثناء مباحثاتهم». وباختصار أكّد مدير ويكيليكس على أنّ «لا أحد آمن في عالَمِنا ببيئته الحالية».
«لسنا الوحيدين لكننا الأكثر افتضاحاً»
على الرغم من أن Pegasus هو المنتَج «الرائد» لمجموعة NSO «الإسرائيلية»، إلا أنه ليس برنامج التجسس الوحيد في العالم، كما ويمكننا الافتراض بشكل معقول أنَّ لا «إسرائيل» ولا الحركة الصهيونية العالمية ستضع كل «بَيضها» التجسّسي في سلَّةِ تطبيقٍ واحد. بعد فضيحة بيغاسوس أعادت عدة وسائل إعلام التذكير بوجود شركات وتطبيقات أخرى عديدة للتجسس في العالم، لكن دون أن توضح بالضبط إذا كان لها علاقة بالحركة الصهيونية. مثلاً هناك فريق Hacking Team ومقره ميلانو في إيطاليا، يبيع هذه الأدوات التجسسية إلى الحكومات والشركات. وهناك RCSAndroid وهو أداة تجسس اعتادت التنكر على شكل تطبيق إخباري على متجر Google Play. ويوجد أيضاً تطبيق Droupoutjeep التابع لوكالة الأمن القومي الأمريكية والذي تم استخدامه لاختراق أجهزة iPhone. وكان لدى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA ذات مرة أداة تسمى Livestrong تم استخدامها لخرق الأجهزة التي تعمل على نظام «أندرويد كيتكات 4.4» وفقاً لما كشفته ويكيليكس.
وفي مقابلته على RT الأسبوع الماضي، أكّد مدير ويكيليكس، رافنسون، بأنّه «يجب على الناس أن يدركوا بأنّ هذه مجرّد شركةٍ واحدة من بين العديد من الشركات، ومنذ عشرة أعوام أشرنا إلى هذه الصناعات الدولارية المليارية، وقلنا بأنه يجب ضبطها كما بالنسبة لصناعات الأسلحة، ولكن لم يستمع إلينا أحد حينها...». ويفضّل رافنسون تسمية هذه «الشركات» من أمثال NSO الصهيونية بأنها «وكالات استخبارات غير حكومية وعدائيّة». وسخر مدير ويكيليكس من البيان المنافِق الذي أدلت به شركة NSO الصهيونية وزعمت فيه بأنّ نشاطاتها هي من أجل «إنقاذ الأرواح» و«منع» جرائم الإتجار بالمخدرات والبشر والجنس.
ومن المعلومات المهمة التي جرى تناولها في المقابلة المذكورة، أنّ من بين الجهات العالمية المُستثمِرة في شركة NSO «الإسرائيلية» ثمة حتى صناديق تقاعد بريطانية. كما أنّ كثيراً من وسائل الإعلام العالمية والبريطانية مثل الغارديان ما زالت لا تتفاعل كما يجب مع حجم فضيحة بيغاسوس نظراً لتأثير النفوذ الصهيوني العالمي المالي والإعلامي.
وفضلاً عن ذلك فمن المُتوقَّع تورّط العديد من الحكومات عبر العالَم، بالتجسس على شعوبها عبر بيغاسوس بوصفها «زبائن» لهذه الشركة «الإسرائيلية»، هذا عدا أنّ بعض السياسيّين أنفسهم، بما فيهم رؤساء دول مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يبدو أنهم لم ينجوا من تعرُّضهم للتجسُّس عليهم، وبالتالي يمكننا افتراض امتلاك الشركة والحركة الصهيونية من ورائها معلومات حساسة، شخصية وسياسية وعسكرية واستخباراتية وغيرها، يمكن استخدامها بأية لحظة للضغط على شخصيات وقيادات سياسية عالمية حتى لو كانوا – أو ربما بالذات – أصدقاء لـ«إسرائيل».
فإذا كان هذا حال قيادات أوروبية، فماذا لدى شركة NSO «الإسرائيلية» من معلومات وأدوات ضغط وتحكم بقيادات حظيرة التطبيع العربي المُعلَن، عدا عمّن يفكرون بالتطبيع، أو يساومون مع العدو سرّاً؟!
وأخيراً تجدر الملاحظة بأنّ أحد الجوانب «الإيجابية» لفضيحة بيغاسوس بهذا المستوى العالي من «طول اليد» الصهيونية التجسسية عالمياً، هو أنّها بالحقيقة تعزّز واقع الفشل الاستخباراتي للعدوّ بمواجهة المقاومة الفلسطينية في معركة غزّة مؤخّراً، والذي اعترفت به علناً قياداتُه الأمنية، بوصفه انتصاراً للمقاومة على المستوى التكنولوجي والاستخباراتي أيضاً.