الضرر الجانبي لبريكزت
تكبدت المملكة المتحدة تكاليف ترتفع بشكل مطّرد ليس بسبب بريكزت، بل بسبب بريكزت «القاسي» الذي لم يصوتوا عليه، ولكن الحكومة فرضته بأيّ حال بفضل السياسيين اليمينيين. لن أتطرّق إلى ما بات الجميع يعرفه من الخسائر في المواد الغذائية والسلع المصنعة والخدمات، والتي لا يمكن إلقاء اللوم بشأنها على الوباء. ولن أتطرّق لنقص العمالة المتفاقم في المملكة المتحدة، وخصوصاً في قطاعي الزراعة والضيافة. وكما أشار مؤشر OECD، فبريطانيا تخرج من الوباء بشكل أسوأ بكثير من معظم منافسيها.
ترجمة : قاسيون
لا يتابع جميع البريطانيّين كرة القدم، لكن عندما يتابعون فهم يقفون مع فرق بريطانيا، فهي تعني لهم الوطن. لكن بعد مضي خمسة أعوام على التصويت لمغادرة الاتحاد الأوربي، باتت تكاليف هذا القرار الصعبة على هذا الوطن أوضح. ربّما الأكثر إضراراً به أنّ الثقة ببريطانيا تتضاءل بسرعة مع استمرار رئيس الوزراء جونسون بإنكار أيّ عواقب لما بعد بريكزت على إيرلندا الشماليّة.
لكني أريد تسليط الضوء على عاقبتين مدمّرتين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. أولاً، ادّعى مؤيدو بريكزت قاسٍ بأنّ بريطانيا «ستستعيد السيطرة». إذا كانت هذه العبارة تعني أيّ شيء، فإنّها تشير إلى دور أكبر للبرلمان في إدارة الشؤون الوطنية. من الناحية العملية لم نشهد شيئاً من هذا القبيل.
مثال: وافقت الحكومة مؤخراً على اتفاقية تجارة حرة مع أستراليا. إذا ما تغاضينا عن مدّى ضآلة الفوائد الاقتصادية المحتملة، وذلك بحسب تقديرات الحكومة، فالحقيقة أنّ البرلمان ليس بيده تدقيق آثار الصفقة السيئة، ناهيك عن التخفيف منها، مع أنّها ستضرّ بشكل شديد بالكثير من البريطانيين، وبشكل خاص بالمزارعين الصغار في ويلز وإسكتلندا.
ثانياً، تتراجع الثقة في بريطانيا وجونسون بسرعة، حيث تنكر الحكومة عواقب الاتفاق الذي توصلت إليه بشأن إيرلندا الشمالية بعد بريكزت. أرادت بريطانيا في تلك المفاوضات تقليل إزعاج الوصول إلى السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي مع تعظيم قدرتها على وضع قواعدها ومعاييرها الخاصة.
الحدود البرية الوحيدة للمملكة المتحدة مع الاتحاد الأوروبي هي تلك الواقعة بين جمهورية إيرلندا وإيرلندا الشمالية. يعد تجنب الحدود الشديدة على الجزيرة جزءاً أساسياً من اتفاقية «الجمعة العظيمة» لعام 1998 التي جلبت السلام إلى إيرلندا الشمالية. لكنّ إيرلندا الشمالية لا يمكنها البقاء خارج الاتحاد الجمركي والنظام التشريعي للاتحاد الأوروبي، وفي الوقت نفسه الحفاظ على حدود مفتوحة مع الجمهورية الإيرلنديّة.
لهذا السبب، تفاوض جونسون ووقّع على بروتوكول يعني أن إيرلندا الشمالية تحصل على أفضل ما في العالمين بمعنى ما. بقيت في الاتحاد الجمركي للاتحاد الأوروبي وجزئياً في سوقها الموحدة، بينما بقيت أيضاً جزءاً من سوق المملكة المتحدة. كان هذا على الرغم من وعود الحكومة للوحدويين في إيرلندا الشمالية بأنّه لن تكون هناك حاجة إلى وجود أي نوع من الحدود بين بريطانيا العظمى وإيرلندا الشمالية، مع ما يعنيه ذلك من جمارك وفحوصات أخرى.
ينفي جونسون الآن الوعود التي قطعها ويهدد بتمزيق البروتوكول، ويلقي باللوم على الاتحاد الأوروبي في المشكلة التي تسبب فيها. من المؤكد أن الاتحاد الأوروبي لديه مجال للمرونة في إدارة الحدود، وآمل أن يظهر ذلك بعض الشيء. لكن يمكن لحكومة المملكة المتحدة أن تظهر المزيد من الحرية، على سبيل المثال من خلال قبول أن إيرلندا الشمالية قد تتبع معايير الاتحاد الأوروبي للمنتجات الغذائية والزراعية. في النهاية تعد الحكومة بأنّها لن تضع معايير أقلّ من الاتحاد الأوربي.
لكن أهمّ شيء يجب أن يفعله جونسون، هو إظهار الجدارة بالثقة في المفاوضات الدولية. للأسف، أصبح عدد متزايد من قادة العالم، وكذلك الناس في بريطانيا وإيرلندا الشمالية، يشككون في أنّه يحافظ على وعوده.
بريكزت ليس سيئاً بحدّ ذاته، بل هو سيّئ بسبب الحكومة.
بتصرّف عن: Brexit’s Collateral Damage