الهرب من الاقتصاد الحقيقي مقابل الهرب إليه
دينغ جانغ دينغ جانغ

الهرب من الاقتصاد الحقيقي مقابل الهرب إليه

لطالما كان التصنيع مصاحباً لتطور الدول الحديثة، وعنى تراجعه بدأ تراجعها. التراجع عن التصنيع هو ما صاغ السياسات الخارجية للولايات المتحدة مع الصين، ويستمرّ في ذلك، لكن الولايات المتحدة اليوم تلقي باللوم على صعود الصين كسببٍ لتناقص قدرتها الصناعية، وتحديداً المنافسة التي يشكلها قطاع التصنيع الصيني الصاعد. وجود احتياطي نقدي هو ميزة للإمبراطوريات الحديثة، لكنّ التراجع عن التحديث بسبب نمو احتياطي النقود سيؤدي لزعزعة أساسات الإمبراطورية. 

ترجمة: قاسيون

ازدادت قيمة أكبر خمس شركات أمريكية: آبل وأمازون وألفابيت ومايكروسوفت وفيس بوك، 1.28 ترليون دولار منذ بداية العام. لكن هناك وراء هذه الزيادة تعميق لتحويل الاقتصاد الأمريكي إلى افتراضي. سيجعل هذا من أهداف إدارة بايدن بتعزيز البنية التحتية وإعادة إحياء القطاع الصناعي أكثر مشقّة.

العودة عن التصنيع لا تعني نقصاً حاسماً في جزء كبير من أعمال التصنيع بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، بل تعني بأنّ التنوّع الصناعي والأعمال المرتبطة به تختفي. في الحقيقة، حجم مخرجات الولايات المتحدة الصناعية لا يزال كبيراً، لكنّ الاستثمار الأمريكي في الاقتصاد الحقيقي يتناقص، مع إغلاق العديد من المصانع، وضياع الوظائف بشكل دائم وتحويل فرص العمل إلى الخارج.

نسبة العمالة الصناعية كانت في ذروتها في الولايات المتحدة في 1965 عند 28%، لكنّها انخفضت إلى 16% في 1994.

بين عامي 2000 و2010 فقدت الولايات المتحدة 36% من فرص العمل في القطاع الصناعي. ثمّ ارتفعت النسبة قليلاً لتعود بعد الوباء إلى مستويات 2010. واليوم تعود العمالة قليلاً، لكن ليس في القطاع الصناعي بل في القطاع الخدمي.

تسبب تراجع التصنيع بتدمير الاقتصاد الوطني الأمريكي ومجتمعات بأكملها. أدّى ذلك إلى تدهور الطبقة الوسطى وانتشار الفقر، وعلى المدى الطويل أدّى إلى خسارة العمّال المهرة في قطاع التصنيع.

بدأت عوائل الطبقة الوسطى بشكل متزايد بإبعاد أبنائها عن العمل في قطاعات الياقات الزرقاء أو دراسة أيّ اختصاصات تتعلّق بالتصنيع. بات هؤلاء يختارون بشكل متزايد المجالات المتاح العمل بها: التمويل وتكنولوجيا المعلومات وما يشابهها. أدّى هذا إلى إحداث تغييرات جوهرية في بنية التعليم العالي في الولايات المتحدة.

لم يعد للعمّال ذوي المهارات المتدنية فرص كثيرة لتحسين قدراتهم الفنيّة بسبب تقلّص القطاع بشكل كلي. عنى هذا تقلّص مداخيل الطبقة الوسطى والطبقة الوسطى الدنيا.

وكمثال على زعزعة أسس الإمبراطورية بهذه الطريقة، شكلت المملكة المتحدة مثالاً نموذجياً على هذه العملية. هل ستتمكن الإدارات الأمريكية من إعادة إطلاق صناعات أمريكا التحويلية من جديد؟

لن تحدث المنافسة المستقبلية بين الصين والولايات المتحدة فقط في مجال التكنولوجيا الفائقة، بل عبر مجموعة واسعة من قطاع التصنيع. الاقتصاد الحقيقي هو الأساس، وهذه هي ميزة الصين التي يجب تقويتها وتنميتها أكثر.

تمكنت الصين حتى الآن من الحفاظ على ميزة الاقتصاد الحقيقي، لكن هناك أيضاً إشارات على تراجع التصنيع في الصين. يعني هذا بأنّ على الصينيين أن يتعلّموا المزيد من ألمانيا التي لا تزال القاعدة الصناعية في أوروبا بسبب تمكنها على المدى الطويل من الحفاظ على صناعاتها وتطوير الأساسية منها.

قد لا تتمكن ألمانيا من تحقيق تحولات هيكلية اقتصادية تركز على التمويل، لكن يمكن لها الحفاظ على الاستثمار في اقتصادها الحقيقي عند مستوى مرتفع نسبياً.

التمسك بالتصنيع وتقديم المزيد من الدعم للاقتصاد الحقيقي والسعي لتحقيق صناعات عالية التقنية على أساس متين للتصنيع. تم تضمين هذه السياسات في الخطة الخمسية الرابعة عشرة للصين «2021 – 2025».

عن: Sticking strong to industrialization, China will win competition with US