سد النهضة.. بؤرة صراع مفتوحة
رفعت أزمة سد النهضة الشعور بالخطر على الأمن المائي في حوض النيل، ليضاف إلى قائمة بؤر الصراع المفتوحة في المنطقة، مما يلقي بظلال كثيفة على أمن المنطقة بكاملها.
حيث كانت ولاتزال أغلب دول المنبع لا تخفي رفضها للاتفاقيات السابقة المنظمة لعملية تقاسم المياه، فضلاً عن عدم وجود اتفاقية تنظم العلاقات المائية تشمل جميع دول نهر النيل فيما بينها، فالحكومة المصرية ترفع مبدأ "الحقوق التاريخية المكتسبة"، وتستند إلى اتفاقها مع بريطانيا عام 1929 ومع السودان عام 1959، في حين ترفع إثيوبيا مبدأ الحق في التنمية، وترفض أن تُلزمها أي معاهدات ترى فيها تعطيل لهذا الحق وأنها لم تراع احتياجات دول المنبع.
واعتبرت اتفاقية عنتيبي 2010 التي سعت أثيوبيا إلى تجريد مصر من امتيازاتها في مياه النهر شرارة أزمة بناء سد النهضة الإثيوبي. والحال أنه منذ اتفاقية إعلان المبادئ حول مشروع سد النهضة الإثيوبي سنة 2015، تجاهلت إثيوبيا تماماً ما يجري على المسار التفاوضي، ومضت في بناء السد.
حيث تلخصت النقاط الخلافية في المقام الأول حول الإطار الزمني الذي يجب أن يُملأ فيه السد. ففيما تضغط الحكومة المصرية من أجل ملء بطيء يمتد بين 12 و21 سنة لتجنُّب التراجع الحاد في إمدادات المياه، في حين تسعى الحكومة الإثيوبية لتحقيق ذلك في غضون ست سنوات حتى تتمكن من تشغيل التوربينات لتوليد الطاقة بشكل أسرع بالإضافة عملية تشغيل وملء السد في فترة الجفاف، والجفاف الممتد، ومسألة الاعتراف بالاتفاقيات السابقة لتوزيع حصص المياه حيث تمثل خصمًا من حصتَي مياه مصر والسودان السنويتَين من النيل الأزرق، اللتين يعتمد عليهما 150 مليون مواطن في: "الشرب، الزراعة، الصناعة، توليد الكهرباء، والنقل النهري"، مضيفًا أن الملء الثاني وحده يمثل نحو 19% من حصتَي الدولتَين أو ما يقارب كمية مياه الشرب.
وعكست غالبية المفاوضات استمرار الخلافات على القضايا الرئيسة لقواعد ملء وتشغيل سد النهضة، مع بدء إثيوبيا عملية الملء الأولية للسد، الأمر الذي وضع ضغوطاً على الموقف المصري، وانتقلت بذلك قضية السد من كونها نزاع يبحث عن تسوية مُرضية إلى محاولة فرض أمر واقع إلى أن وجهت رسالة بتاريخ 25 حزيران إلى مجلس الأمن الدولي قالت فيها "إنه بعد 10 سنوات من المفاوضات تطورت القضية إلى حالة تتسبب حاليا باحتكاك دولي والذي يمكن أن يعرض استمراره السلم والأمن الدولي للخطر، وعليه فقد اختارت مصر أن تعرض هذه المسألة على مجلس الأمن الدولي عملا بالمادة 35 من الميثاق".
التفاوض وعنق الزجاجة
إن استمرار التصعيد المتمثل في الموقف الإثيوبي، في مواجهة المطالب السودانية المصرية، من شأنه أن يقود إلى مزيد من التأزم, فإثيوبيا التي ترى في السد الهائل وسيلة للتنمية الاقتصادية وإخراج البلاد من الفقر، كانت طوال عقود طويلة "تنظر إلى مصر والسودان بأنهما تستوليان على حقها من مياه النيل، مما تسبب في حالة الفقر التي عانت منها طويلا"، كما ترى أن الوقت قد حان "لتتصرف فيما تعتقده من ممتلكاتها (نهر النيل الأزرق) بالكيفية التي تحقق بها رفاهية شعبها".
من ناحية أخرى، ترى مصر في "السيطرة الإثيوبية المطلقة دون اتفاقيات أو قيود تهديدا وجوديا للشعب المصري"، فالمخاوف متصاعدة من دمار الرقعة الزراعية المصرية (الضئيلة أصلاً) وانخفاض حصص المياه المخصصة للشرب، إذ تعتمد مصر بأكثر من 90% على نهر النيل كمصدر للمياه في الحياة اليومية والأنشطة المختلفة.
بدورها، تخشى السودان من تأثر سد "الروصيرص"، أحد أهم مصادر الري والتوليد الكهربائي بنقص الموارد المائية التي تصل إليه عبر إثيوبيا، إلى جانب التأثيرات المتوقعة على القطاع الزراعي.
تصعيد في اللهجة
بدأت حدة اللهجة في التصاعد، وذلك تزامنًا مع اقتراب الملء الثاني لخزان سد النهضة، الذي لا تتوانى إثيوبيا عن تأكيد موعده هذا الموسم، وتصاعدت حدة التصريحات بين إثيوبيا من جهة ودولتي مصب نهر النيل مصر والسودان من جهة أخرى.
فقد أثارت التصريحات الأخيرة، لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، حول اعتزام بلاده إنشاء 100 سد مائي صغير ومتوسط، في مناطق مختلفة من بلاده، موجة من الغضب والقلق في مصر، الأمر الذي دفع وزارة الخارجية المصرية، لنشر بيان رسمي عبرت فيه عن استيائها لما وصفته بـ "سوء نية"، من قبل الجانب الإثيوبي، وتعامله مع نهر النيل وغيره من الأنهار الدولية التي تتشاركها مع دول الجوار، وكأنها أنهار داخلية.
كما صرّح القائد العام للقوات الجوية الإثيوبية، الجنرال يلمما مرداسا، 6 حزيران، بأن القوات الإثيوبية تعزز وحداتها أكثر من أي وقت مضى، مشددا على أنها تقوم بحراسة دقيقة لسد النهضة من أي "عدوان"., بالإضافة إلى إصدار وزارة الخارجية الإثيوبية بيانا ترفض فيه قرار جامعة الدول العربية بشأن سد النهضة بدعوة مجلس الأمن الدولي للانعقاد لبحث الخلاف بشأن اعتزام إثيوبيا ملء سد النهضة الذي تشيده على النيل الأزرق ,مشيرة إلى أن إثيوبيا تمارس حقها المشروع في استخدام مواردها المائية مع الاحترام الكامل لقوانين المياه الدولية ومبدأ عدم التسبب في ضرر كبير, واتهمت الخارجية الإثيوبية، بحسب بيانها، مصر والسودان في "عدم إمكانية إحراز أي تقدم ذي مغزى في المفاوضات حول سد النهضة"، مشيرة إلى أن أديس أبابا وافقت على سبعة من الاقتراحات التسعة الواردة في مسودة البيان التي أعدتها الكونغو خلال وساطتها لحل الأزمة.
في حين قال وزير الري والموارد المائية السوداني، ياسر عباس إن قرار إثيوبيا الفردي بملء خزان سد النهضة على نهر النيل "يعد تهديدا للأمن القومي" وأن "مضي إثيوبيا قدماً في ملء خزان السد في تموز المقبل "سيهدد حياة نصف سكان وسط السودان، فضلاً عن المساس بالزارعة وتوليد الكهرباء".
لكن اللهجة الأعنف جاءت، ولأول مرة، على لسان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي قال: "نحن لا نهدد أحداً، ولكن لا يستطيع أي أحد أخذ نقطة مياه من مصر (..) وإلا ستشهد المنطقة حالة عدم استقرار لا يتخيلها أحد". وأضاف: "لا يتصور أحد أنه بعيد عن قدرتنا (..) مياه مصر لا مساس بها والمساس بها خط أحمر وسيكون رد فعلنا حال المساس بها أمر سيؤثر على استقرار المنطقة بالكامل".
وتابع "التفاوض هو خيارنا الذي بدأنا به والعمل العدائي قبيح وله تأثيرات تمتد لسنوات طويلة لأن الشعوب لا تنسى ذلك".
لا بديل عن المفاوضات
قال سفير فرنسا لدى الأمم المتحدة نيكولا دو ريفيير، الخميس، إن مجلس الأمن الدولي سيجتمع على الأرجح الأسبوع المقبل لبحث النزاع بين السودان ومصر وإثيوبيا بشأن سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا على النيل الأزرق.
وأشار إلى أن المجلس ليس لديه الكثير الذي يمكنه القيام به بخلاف جمع الأطراف معا للتعبير عن مخاوفهم، ثم تشجيعهم للعودة إلى المفاوضات للوصول إلى حل.
كما أكد كلٌّ من العراق والأردن على "ضرورة الامتناع عن القيام بأي إجراءات أحادية، بما في ذلك الاستمرار في ملء سد النهضة، من دون التوصل لاتفاق عادل وشامل وملزم قانونا حول قواعد ملء وتشغيل السد، وبما يحقق مصالح الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا) ويحفظ الحقوق المائية لمصر والسودان".
وفي وقت سابق أكد لافروف بشأن حتمية اللجوء إلى المفاوضات لحل العديد من القضايا مثل أزمة سد النهضة، وأن الموقف الروسي كان واضحاً وحاسماً وصريحاً بشأن حقوق مصر في مياه النيل وعدم المساس بحقوقها وحصتها التاريخية المعروفة في مياه النيل، بخاصة أنه كان هناك بعض اللغط حول الموقف الروسي ومدى وجود تعديل فيه". كما شدد على دور الاتحاد الأفريقي في حل الأزمة من خلال التفاوض بين البلدان الثلاثة والوصول إلى اتفاق، موضحاً أن "موسكو اقترحت خبرتها لدعم المفاوضات وتقديم النصائح ولم يتم توجيه دعوة لنا للعب وساطة".
تعاون ضمن الفوضى
مع احتدام بؤر التوتر في منطقة القرن الأفريقي دفعت إدارة بايدن، بفيلتمان ليكون مبعوثاً لها ومكلفاً بملفات المنطقة المشتعلة، لا سيما أزمتي سد النهضة الإثيوبي والمفاوضات بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا التي وصلت إلى طريق مسدود، وبلغ التوتر فيما بينهما إلى مستويات غير مسبوقة وكذلك أزمة إقليم تيغراي
وشدد بلينكن على أنه "في لحظة التغيير العميق لهذه المنطقة الاستراتيجية، تعد المشاركة الأميركية رفيعة المستوى أمراً حيوياً للتخفيف من المخاطر التي يشكلها تصعيد الصراع مع توفير الدعم لفرص الإصلاح التي تحدث مرة واحدة في الجيل". هذه المشاركة التي قد تبقى عند مستويات معينة تبعاً لما تقتضيه "المصلحة الأمريكية" إلا أنها ستظل عند عتبة ما يُسمى "التعاون ضمن الفوضى"، تلك المقولة التي ابتدعها روبرت كوهين مؤسس المدرسة الليبرالية المؤسسية الجديدة، وكل ذلك استكمالاً للدور الأمريكي الذي كان ومازال لاعباً أساسياً في هذه المشاكل تاريخياً والمشبوه في التوتير، وما سينتج عنه من توتير داخلي لن يطول الوقت حتى ينفجر.