ماذا وراء شَيطَنة التعاون العسكري الروسي-الصيني؟
تناولتْ عدة وسائل إعلام، نهاية شهر أيار الماضي، تحليلاً لخبير السياسات الأمنية والعسكرية الألماني يواكيم كراوس (الذي تولّى عدة مناصب أكاديمية في مراكز أبحاث موالية لحلف الناتو وواشنطن) يحذّر فيه الناتو والولايات المتحدة من أنّ «تحالفاً عسكرياً» بين موسكو وبكّين قد أُبرمَ و«صار بالفعل أمراً واقعاً»، معتبراً تزوُّدَ الصين المنتظم بالأسلحة الروسية والتدريبات العسكرية المشتركة بين البلدين، وانتشار القوات الروسية على الحدود مع أوكرانيا بالتزامن مع «ضغوطات بكين على تايوان»، أدلّة دامغة على «حِلفٍ عسكري». بالمقابل نجد تعليقات هادئة حول الموضوع من مستويات سياسية وعسكرية في موسكو وبكين، تأتي على عكس التوتر الغربي النابع أساساً من الأزمة الداخلية للإمبريالية، والتي تدفعها للعدوانية والتفتيش عن أيّ مبررات لشنّ الحروب.
أشار الخبير الألماني يواكيم كراوس – الذي كتب تحذيراته حول «التحالف العسكري» بين موسكو وبكين، لصحيفة «العالَم» الألمانية «دي فيلت Die Welt» – إلى أن موسكو زودت بكين بنماذج من المعدات مثل نظام الدفاع الجوي S-400 ومقاتلة سوخوي 35 وتشارك أيضاً في إنشاء نظام الدفاع الصاروخي الصيني، لافتاً إلى أنّ «بكين، مثل موسكو، تنظر إلى بيئتها الإقليمية كمنطقة نفوذ خاص. وبالتالي، فإن خصمهما الرئيس هو الولايات المتحدة، التي تعمل على تطوير شبكة من تحالفاتها العسكرية». وبما أنّ روسيا والصين تحتلان المرتبة الثانية والثالثة بأقوى الجيوش بعد الولايات المتحدة، فإنّ «القوات المشتركة لموسكو وبكين تفوق عدد القوات الأمريكية، بما في ذلك من حيث الأسلحة النووية» وفقاً لكراوس.
بالمقابل نقلت صحيفة «غازيتا» الروسية عن الجنرال في الجيش الروسي وقائد الأركان السابق للقوات المسلّحة الروسية، يوري بالويفيسكي، تشديده على أنّ التعاون العسكري مع الصين يشمل «بيع أسلحة ومعدات عسكرية لبكين» وأنّ هذا يشكل «فرقاً أساسياً» عمّا يقوله الخبير الألماني حول «عمليات تسليم منتظمة لأحدث أنواع الأسلحة إلى الصين»، لأن موسكو لا تبيع أحدث الأسلحة إلى بكين، وفقاً لتصريح هذا الجنرال الروسي لـ«غازيتا».
ومع أنّ بالويفيسكي أعرب عن تحبيذه لتحالف عسكري كهذا بالقول «أودّ شخصياً أن يُعقَدَ مثل هذا التحالف»، لكنه خلص إلى أنّه «بالنسبة لأي قوات مشتركة لروسيا والصين، فما زال من السابق لأوانه الحديث عنها».
بدوره صرّح العقيد سيرغي كيزيون، رئيس الأركان السابق لمنطقة لينينغراد العسكرية، للصحيفة نفسها بأنه «ليس من الواضح تماماً في أيّ نوع من الصراع العسكري يمكن للقوات المسلحة لروسيا والصين أنْ تعمل معاً. على سبيل المثال، ليس من المنطقي بالنسبة لنا المشاركة في صراعٍ مسلحٍ تخوضه بكين من أجل جزيرة تايوان، ولا من أجل أيّ جزر أخرى في هذه المنطقة، ولا دعم جمهورية الصين الشعبية في حرب مُفتَرَضة مع الهند...» وأضاف «لذلك من الصعب جداً بالنسبة لي أن أتخيّل صراعاً عسكرياً حقيقياً تقاتل فيه القوات المسلحة الروسية وجيش التحرير الشعبي الصيني، كجزء من مجموعة تحالف قواتٍ تحت قيادة قائدٍ عامّ واحد، من أجل بعض الأهداف المشتركة».
بدوره قال الفريق فاليري زابارينكو، النائب السابق لرئيس مديرية العمليات الرئيسة لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية: «يدَّعي عالِم السياسة الألماني يواكيم كراوس أن روسيا والصين شكّلتا تحالفاً عسكرياً. ومع ذلك، في الواقع، لا توجد وثيقة واحدة من شأنها أن تشهد في الممارسة العملية على ظهور مثل هذه الكتلة. إذْ لم يتم تشكيل قوات مسلحة مشتركة، ولم يتم تنظيم مقرّ، ولم يتم تعيين قائد عام، ولم يتم تحديد ترتيب قيادة القوات والوسائل... لم يتم فعل أي شيء على الإطلاق... لذا فإن استنتاجات الخبير الألماني متقدّمة بشكل كبير على الوضع الحقيقي».
وعلى مستوى القيادة السياسية، سبق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن أجاب على سؤال حول إمكانية حدوث تحالف عسكري بين موسكو وبكين (تم توجيهه إليه في أكتوبر/تشرين الأول 2020 في جلسة مناقشة ضمن فعاليات نادي فالداي). وكان جوابه آنذاك: «يمكنك تخيل كل شيء. لقد انطلقنا دائماً من حقيقة أنّ علاقاتنا قد وصلت إلى درجة من التفاعل والثقة لدرجة أننا، بشكل عام، لسنا بحاجة إلى ذلك [التحالف العسكري مع بكين]، ولكن من الناحية النظرية من الممكن تماماً تخيُّل مثل هذا الشيء».
وأكد بوتين أنّ روسيا والصين تجريان تدريبات عسكرية بشكل منتظم بحراً وبرّاً في كل من الصين وروسيا: «نحن نتشارك بأفضل الممارسات في مجال البناء العسكري. لقد وصلنا إلى مستوى عالٍ من التفاعل في مجال التعاون العسكري التقني، وربما يكون هذا هو الأهم، فالأمر لا يتعلق فقط بتبادل أو بيع وشراء المنتوجات العسكرية، بل بتبادل التقنيات» وأضاف بأنّ «هناك أشياء حسّاسة للغاية هنا».
أخيراً، على الجانب الصيني، أعلنت وزارة الدفاع الصينية في آذار 2021 أنّ الصين لا تخطط لإنشاء جبهة موحَّدة ضد الناتو مع روسيا، وشدّدت على أنّ «العلاقات العسكرية بين موسكو وبكّين تشكّل دعامة للشراكة الاستراتيجية»، لكنه نبّه أيضاً إلى أنّ الطرفين «يتمسّكان بمبدأ عدم المشاركة في التكتلات ولا يريدان المواجهة مع أحد».
من الناحية الموضوعية، ورغم أنّ ميزان القوى العالمي مستمرٌّ بالرجحان إلى كفّة الشرق اقتصادياً بالأساس ثم سياسياً وعسكرياً، ورغم أنه من الطبيعي أنْ يثير هذا عدوانية القوى الإمبريالية لأنّها مأزومة، وعدوانية «قيادة أركانها العامّة» في واشنطن، وهي الأزمة التي لطالما دفعتها تاريخياً للبحث عن مخارج «حربية»، لكنْ ووفق الضرورة الموضوعية نفسها أيضاً، فإنّ القوى الصاعدة بالمقابل ليست هي المضطرة إلى الحرب، بل على العكس تماماً، فالمصالح العميقة والمستقبلية لكلّ قوى السلام في العالَم، بما فيها روسيا والصين، هي نقيض التورّط في أيّ اعتداءٍ عسكريّ من جهتها، ولذلك تحرص على أنْ تسدّ ما استطاعتْ من ذرائع الطرف العدواني، وتحاولَ احتواءَه سياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً، متجنبةً الاحتكاكات العسكرية ما أمكن، والتي عندما تضطرّ إليها، تكون بشكل ردعٍ ودفاعٍ عن النفس.