أوكرانيا... تصاعد الحركة الإضرابية حذرت من انفجار الأزمة
نهاية عام 2009 حدثت أزمة سياسية حادة بين الحكومة والنقابات العمالية حول قضية الرواتب والأجور، تعبيراً عن إفلاس الليبرالية الجديدة ووصول النموذج الرأسمالي إلى طريق مسدود ونذيراً بانفجار أزمة رأس المال في هذا البلد.
كتب الصحفي أناتولي بارانوف في تشرين الأول 2009 أن أوكرانيا تقف على حافة الإضرابات العمالية الكبيرة.
ماذا يقف خلف هذه الأزمات؟ ولماذا ازدادت الإضرابات العمالية في أوكرانيا؟ أنه وضع الطبقة العاملة التي تتعرض للسحق الاجتماعي الممنهج منذ عشرين عاماً باسم الحرية والديمقراطية والأمة الأوكرانية.
كيف حدث الانفجار؟
بعد عقد ونصف من اتباع السياسة الاقتصادية الاجتماعية الرأسمالية في أوكرانيا اشتدت تناقضات رأس المال وأزمته في الداخل لكن هذه التناقضات لم تنفجر وإنما عبرت عن نفسها بصراع طرفي طبقات الأثرياء البرجوازية على السلطة عام 2004 ومجيء ما يسمى بالثورة البرتقالية إلى السلطة وهم أكثر عناصر رأس المال رجعية في البلاد حزب قومي ليبرالي يدعى حزب الوطن «باتكيفشينا» وزعيمته يوليا تيموشينكو.
كانت هذه النتائج تطحن يومياً المزيد من العمال فكانت الأحداث التي تطرق عليها الصحفي أناتولي بارانوف نقطة انطلاق للطبقة العاملة الأوكرانية للدفاع عن حقها في الحياة والعمل والسكن والتعليم والصحة والأجور العادلة.
لقد أدت الإصلاحات الليبرالية التي طبقها صندوق النقد الدولي في أوكرانيا عام 2008 إلى ابتلاع ما تبقى من حقوق العمال فتأخرت أجورهم ولم تدفع لعدة شهور وتم تخفيض وتقليل نسب الخدمات والمكاسب الاجتماعية كذلك جرى تشكيل نقابات تابعة للاتحاد الدولي للنقابات الحرة الذي مركزه في الولايات المتحدة الأمريكية في محاولة لتشتيت وحدة الطبقة العاملة كما شكلت الأحزاب البرجوازية مراكز نقابية أخرى لنفس الغاية.
دشن إضراب عمال مصنع بلكوزن موجة من الإضرابات العمالية المتصاعدة المصنع الواقع في بلدة بيريلوكي شمال أوكرانيا الذي يعتبر إحدى المصانع القليلة في أوروبا لتصنيع الغلاف الخارجي البروتيني للنقانق «السجق» وفي أوائل عام 2008 ونتيجة تطبيق إصلاحات صندوق النقد الدولي الليبرالية على الاقتصاد الأوكراني جرى تأخير دفع أجور عمال المصنع البالغ عددهم 500 عامل و نصفهم من العاملات وتسببوا بمعاناة كبيرة للعمال كل ذلك بموافقة الإدارة السيئة للمصنع فكان الإضراب عن العمل.
أضرب العمال في شهر مايو 2008 للمطالبة بأجورهم المتأخرة في إضراب ناجح عن العمل واستطاعوا أيضاً زيادة أجورهم بنسبة 54% بعد مفاوضات طويلة مع الإدارة وضمان سداد أجورهم في أوقاتها وكل المزايا والمكاسب التي استحقها العمال
تصاعد الإضرابات العمالية:
خلال ثلاث سنوات 2010 – 2013 تراكمت الكثير من المشاكل التي بقيت دون حل حقيقي بالنسبة للعمال وزادت حدة هذه المشاكل بعد تطبيق حزمة الإصلاحات الليبرالية من قبل صندوق النقد الدولي وزيادة ضغط حلف الناتو على أوكرانيا ووصلت البلاد إلى درجة بلدان العالم الثالث وهي الأسوأ من حيث مستوى الأجور في اوروبا حيث يبلغ متوسط الأجور 300 دولار شهرياً.
فبعد الإضراب الناجح لعمال مصنع بلكوزن اجتاحت البلاد موجة من الإضرابات العمالية المتفرقة طوال عامي 2008 – 2009 توجت بالإضراب العام الذي دعا إليه مؤتمر عمال عموم أوكرانيا في تشرين الأول 2009 لمطالبة مجلس الوزراء بدفع الأجور المتأخرة لعمال المصانع الأوكرانية التي كانت حكومة الثورة البرتقالية تتأخر في دفعها حسب تعليمات صندوق النقد الدولي وسارت مظاهرة عمالية وسط العاصمة كييف ضمن عشرات الآلاف تحت شعار لا للفقر حيث سلمت النقابات مذكرة احتجاجية إلى مجلس الوزراء وأمانة رئاسة الجمهورية.
نهاية عام 2009 قام فرع شركة أفتوفاز الروسية للسيارات بتسريح 5000 عامل من عمالها في أوكرانيا فأعلن جميع العمال الإضراب والاعتصام داخل المصانع مطالبين بعودة العمال المسرحين كما اضرب عمال النقل في خاركوف مطالبين بزيادة الأجور.
خاض عمال مناجم الفحم شرق البلاد معارك عديدة من أجل دفع أجورهم المستحقة في أوقاتها دون تأخير منذ عام 2003 وبعد تطبيق إجراءات عام 2008 أطلق اتحاد عمال صناعة الفحم سلسلة من الإضرابات توجت بالإضراب الكبير الذي شمل جميع المناجم في دونيتسك وغانسك ودنيبروبتروفسك ولفوف وكييف وأوديسا وخاركوف وكيروفغراد وفولين عام 2010 الذي رفعوا فيه مطالبهم العامة مثل دفع الأجور في وقتها ورفع المعاشات التقاعدية وإنشاء صندوق التأمين الاجتماعي ضد حوادث العمل والأمراض المهنية مما دفع بالبرلمان الأوكراني «الرادا» إلى اعتماد قانون رفع مكانة عمال مناجم الفحم.
شملت الإضرابات العمالية كل قطاعات الصناعة الأوكرانية بين عامي 2010 – 2013 مثل صناعة الفحم والسيارات والآلات الثقيلة والصناعات الكيميائية والغذائية والنسيجية وعمال النقل البحري والجوي وسكك الحديد والبريد والغاز والطاقة الكهربائية والبناء والصحة وموظفي البلديات والمؤسسات الحكومية وغيرهم.
وحسب الإحصاءات التي قدمتها الصحافة الأوكرانية فأن الإضرابات العمالية قد تصاعدت عاماً بعد آخر ففي عام 2010 جرى 184 إضراب وفي عام 2011 جرى 231 إضراب وفي عام 2012 جرى 255 إضراب وفي عام 2013 جرى 331 إضراب وقد تنوعت المطالب العمالية على ان أغلبها كان يجمع على دفع الأجور في وقتها وزيادة المعاشات التقاعدية ومعاشات العمال وإعادة العمال المسرحين إلى عملهم والضمان الصحي والاجتماعي.
قانون عمل فاشي يحظر حق الإضراب:
في مواجهة الحركة العمالية المتصاعدة قامت السلطة السياسية الحاكمة بتقديم مشروع قانون عمل جديد للبرلمان في حزيران 2013 وكان الهدف من القانون الجديد تجريم الإضراب عن العمل ولا يختلف عن القانون القديم سوى في ذلك.
وكان حزب الأقاليم الحاكم يحظى بأغلبية في البرلمان لذلك صوتت الاغلبية لصالح القانون بينما سكت نواب حزب الوطن عليه أيضاً في موافقة ضمنية لمضمون قانون العمل الجديد.
جاء القانون في مصلحة ارباب العمل فقط وأطلق على الإضراب تسمية النزاع العمالي ويجوز للشرطة التدخل لفض الإضرابات العمالية في خرق فاضح للدستور الأوكراني حيث تنص المادة 44 من الدستور على حق الإضراب عم العمل بما فيه العسكريين وموظفي الحكومة وأجهزة الشرطة والأمن.
ورداً على مشروع القانون الفاشي الذي يحرم الطبقة العاملة من حقها في الإضراب عن العمل حدثت إضرابات كثيرة نهاية عام 2013 بقيادة مؤتمر عمال عموم أوكرانيا فلجأت المعارضة البرجوازية إلى تمييع الحركة العمالية عبر زج منظماتها النقابية والعمالية إلى قلب الإضرابات واستطاعت احتلال الشارع بسبب الضخ الهائل للمال السياسي وتسخير وسائل الإعلام لمصلحتها.
هكذا حدث الانفجار في أوكرانيا وانطلق الحراك الشعبي الذي حاول طرفا البرجوازية الركوب عليها وليس كما تصورها وسائل الإعلام المملوكة لرأس المال المالي العالمي الصهيوني.